يُعَرّف الحق بأنه: سلطة لشخص يقرها القانون ويخول حمايتها. فهو رابطة قانونية بمقتضاها يخول القانون شخصًا الاستئثار والتسلط على شيء أو اقتضاء أداء معين من شخص آخر على سبيل الانفراد. ومن بين أنواعه: الحق المالي. والذي ينقسم إلى: حق عيني وحق شخصي. فالحق العيني هو الذي يرد على شيء معين، فينشئ علاقة مباشرة بين صاحب الحق والشيء محل هذا الحق. مثل: حق الملكية وحق الانتفاع. أما الحق الشخصي فهو رابطة قانونية تنشئ التزامًا شخصيًا في ذمة المدين تجاه الدائن. فهو علاقة بين شخصين أحدهما دائن والآخر مدين. تكون العلاقة بينهما غير مباشرة. فلا يستطيع الدائن التسلط على الشيء إلا من خلال المدين.
وإذا كان الحق الشخصي علاقة دائنية بين دائن ومدين فلا يكون الشيء هو محل هذا الحق، وإنما القيام بالعمل. أما الحق العيني فمحله هو الشيء الذي يصح أن يكون محلًا للحقوق المالية (ماديًا كان أم معنويًا).
ونظرًا للأهمية التي تتمتع بها الحقوق الشخصية والعينية في القوانين المدنية فقد أفرد الكلام عنها، ومن بين ما يهم دارسها البحث عنه هو التفرقة بين الشيء والمال. إذ تختلف الأشياء عن الأموال في نظر القانون. فالمال في عرف القانون هو الحق ذو القيمة المالية أيًا كان ذلك الحق. سواء كان ذلك عينيًا أم شخصيًا أم حقًا من حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية. وقد قضت محكمة النقض بأن: (المال في عرف القانون هو كل شيء متقوم نافع للإنسان يصح أن يستأثر به وحده دون غيره، وكما يكون المال شيئًا ماديًا كالأعيان التي تقع تحت الحواس، يكون شيئًا معنويًا كالحقوق التي لا تدرك إلا بالتصور). (نقض 31/1/1946).
ويلاحظ أنه وإن سلك المنظم في نظام المعاملات المدنية نفس المسلك الذي سار عليه المقنن في القانون المدني المصري عبر التفرقة بين الشيء والمال، فبين أن الشيء غير المال، وأنه لا يعدو إلا أن يكون محلًا للحقوق المالية بشرط ألا يكون خارجًا عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون، إلا أن نظام المعاملات المدنية أضاف حكمًا جديدًا يتعلق بتعريف المال فقرر في المادة رقم (20) أن: (المال كل ما له قيمة مادية معتبرة في التعامل من عينٍ أو منفعةٍ أو حق).
أما الشيء فهو محل ذلك الحق. أي: ما يصلح أن يكون محلًا للحقوق المالية؛ فيصلح للتعامل فيه. سواء أكان بهذا بحكم طبيعته، أو بحكم القانون. وعلى هذا نصت الفقرة الأولى من المادة (81) من القانون المدني المصري فقالت: (كل شيء غير خارج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون يصلح أن يكون محلًا للحقوق المالية). ونصت المادة التاسعة عشرة من نظام المعاملات المدنية على نفس الأمر.
وبهذا يخرج من عداد الأشياء التي تصلح أن تكون محلًا للحقوق المالية في نظر القانون المدني المصري ونظام المعاملات المدنية:
أولًا: ما كان خارجًا عن التعامل بحكم طبيعته: وقد أوردت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني المصري أنها: تلك التي يمكن أن ينتفع بحيازتها كل الناس. بغير أن يحول انتفاع بعضهم دون انتفاع البعض الآخر. كالهواء والشمس والماء الجاري. ولذلك نص القانون المدني على أنها (أشياء لا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها).
ثانيًا: ما خرج عن التعامل بحكم القانون: فلا يجيز القانون أن يكون هذا محلًا للحقوق المالية. وقد أوردت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني المصري أنها: تلك التي ينص القانون على عدم التعامل فيها بوجه عام. كالحشيش والأفيون والأشياء التي تدخل ضمن الأموال العامة. ولا يغير من هذا الوصف إجازة نوع معين من التعامل في هذه الأشياء. كبيع الحشيش والأفيون لأغراض طبية. ولهذا بينت محكمة النقض المصرية أن: (قصد الشارع بما تقضي به المادة 81 من القانون المدني من أن الأموال العامة تخرج عن التعامل بحكم القانون عدم جواز التصرف في هذه الأموال أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم). (جلسة 12/12/1967).
وقد عرف الفقه الإسلامي الأشياء الخارجة عن دائرة التعامل: فعند الأحناف: بيع ما ليس بمال متقوم في نفسه فاسد، وأن بيع المراعي المباحة فاسد لحديث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار). وقد نصت مجلة الأحكام العدلية (م127) على أن المال المتقوم يستعمل في معنيين: الأول: ما يباح الانتفاع به، والثاني: بمعنى المال المحرز. فالسمك في البحر غير متقوم. وإذا صيد صار متقومًا بالإحراز. وذهب الحنابلة إلى نفس المعنى، فنصوا على أنه: لا يصح بيع المباحات كالأنهار الكبار إذ لكل أحد الأخذ منها وتملك ما أخذه. ومثل الماء في الأنهار المعادن الجارية في الأملاك كالقار والشوك، لكنها تملك بالحيازة، فمن حاز منها شيء تملكه.
أقسام الأشياء
الأصل في الأشياء أن تكون مادية. أي: أن يكون لها حيز مادي محسوس. كالأرض والمباني والمركبات والمواشي والمحصولات والمأكولات. إلا أنه مع تقدم البشرية وازدهار الإنتاج واختلاف أشكاله احتاج الإنسان إلى تنظيم الأشياء غير المادية مثل: حقوق الملكية الفكرية، ولذا نص القانون المدني ونظام المعاملات المدنية على أن: تسري على الحقوق التي تسري على الأشياء غير المادية النصوص النظامية الخاصة بها. كما وضع كل منهما عدة تقسيمات للأشياء المادية، مثل: تقسمة الأشياء المادية إلى عقار ومنقول، مثلي وقيمي، قابل للاستهلاك وغير قابل للاستهلاك.
أ. العقار والمنقول.
العقار كل شيء ثابت في حيزه لا يمكن نقله منه، دون تلف، أو تغير في هيئته، وما عدا ذلك فهو منقول. ويعد عقارًا بالتخصيص: المنقول الذي يضعه مالكه في عقار له رصدًا على: خدمة العقار، أو استغلاله على سبيل الدوام، ولو لم يكن متصلًا به اتصال قرار. (المادة الثانية والعشرون من نظام المعاملات المدنية).
ويستفاد من النص السابق أن فيصل التفرقة بين العقار والمنقول يرجع إلى طبيعة الشيء. فالعقار هو الشيء الثابت المستقر بحيزه، بحيث لا يمكن نقله من مكان إلى آخر إلا إذا هدم أو اقتلع. ومن ثم لا يمكن نقله دون تلف. وقد سار المنظم في نظام المعاملات المدنية نفس مسار التقنين المدني المصري فلم يعرف المنقول، واكتفى بقول: (كل ما عدا ذلك (أي: ما عدا العقار) فهو منقول). فالمنقول إذًا بمفهوم المخالفة هو كل شيء يمكن نقله من مكان إلى آخر دون تلف، لأنه شيء غير مستقر بحيزه وغير ثابت فيه.
ب. الأشياء المثلية والأشياء القيمية.
الأشياء المثلية هي: ما تتماثل آحادها، أو تتقارب بحيث يمكن أن يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء بلا فرق يعتد به عرفًا. والأشياء القيمية هي ما تتفاوت آحادها في الصفات أو القيمة تفاوتًا يعتد به عرفًا، أو يندر وجود أمثال لها في التداول. (المادة الحادية والعشرون من نظام المعاملات المدنية).
فالشيء القيمي هو المعين بالذات الذي لا يقوم شيء آخر مقامه في الوفاء. أما الشيء المثلي ما صلح أن يقوم مقامه شيء آخر في الوفاء بالدين. فيقال عنه أنه مثلي: إذا نسب إلى شيء آخر. فهو ليس مثليًا في ذاته، لكن بالقياس إلى شيء مثيله. وعادةً ما يتميز الشيء المثلي بخاصتين: أولًا: لا يكون مثليًا في ذاته، لكن بالقياس إلى شيء آخر مثله. ثانيًا: يقدر عادةً عن طريق العد أو الكيل أو الوزن أو المقاس. إذ لا تتفاوت آحاده تفاوتًا يعتد به، لكن يقوم بعضها مقام بعض في الوفاء.
ج. الأشياء القابلة والأشياء غير القابلة للاستهلاك.
الأشياء القابلة للاستهلاك هي التي ينحصر استعمالها -بحسب ما أعدت له- في: استهلاكها، أو إنفاقها، ويعد قابلًا للاستهلاك كل ما أعد في المتاجر للبيع. (المادة الثالثة والعشرون من نظام المعاملات المدنية). وأهمية التمييز بين الأشياء القابلة للاستهلاك وغير القابلة للاستهلاك تتمثل في أشياء عدة منها:
- هناك عقود لا ترد إلا على الأشياء غير القابلة للاستهلاك. مثل: عقد العارية.
- أن حق الانتفاع حق عيني يخول صاحبه أن ينتفع بشيء مملوك لغيره، على أن يرده إليه بعد نهاية الانتفاع. فالشيء المنتفع به إذًا غير قابل للاستهلاك، إذ يرد بعينه بعد أن يستعمل مدة معينة. فإذا ورد حق الانتفاع على شيء قابل للاستهلاك فلا يرده المنتفع عينًا بل يرده مثله. وبهذا تتغير طبيعة الانتفاع إلى شبه انتفاع.