التركة، أو الميراث، هي ما يتركه المتوفى من أموال وحقوق وديون بعد وفاته، وتُعتبر من الجوانب القانونية المهمة التي نظمتها التشريعات منذ القدم لتوزيع الثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية. تطور تنظيم التركات عبر التاريخ، متأثرًا بالعوامل الدينية والاجتماعية والاقتصادية.
مفهوم التركات
لغويًا: التركة هي كل ما يُخلفه الشخص بعد موته.
قانونيًا: تشمل التركة جميع الحقوق المالية والأموال المنقولة وغير المنقولة، بالإضافة إلى الديون المستحقة للمتوفى أو عليه.
تنظيم التركات في النظم القديمة
الحضارات القديمة:
القانون البابلي: تناول قانون حمورابي (حوالي 1750 ق.م.) تنظيم الميراث بشكل واضح، أعطى القانون أهمية للأسرة، حيث كانت الثروة تنتقل بشكل رئيسي إلى الأبناء الذكور، كان للأب حرية واسعة في توزيع أمواله أثناء حياته أو في وصيته.
القانون الروماني: كان الحق في الإرث يقتصر على الورثة الشرعيين في إطار الأسرة، في وقت لاحق، ظهرت وصية الموصي التي سمحت بحرية أوسع في توزيع التركة، لم يكن يُسمح بتجاوز حقوق الأبناء أو الزوجة بشكل كبير.
في الشريعة اليهودية: نظمت الشريعة اليهودية الميراث بمنهج يشابه القوانين القديمة، حيث كان الابن البكر يحصل على نصيب أكبر من الميراث (ما يُعرف بنظام “البكرية”).
التركات في الإسلام
الأساس التشريعي:
تُعد الشريعة الإسلامية من أبرز النظم التي نظمت التركات بشكل دقيق، استمدت أحكام التركات من القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع العلماء.
المبادئ الأساسية في الميراث الإسلامي:
- تفصيل الأنصبة الشرعية: جاء التشريع الإسلامي في آيات المواريث (سورة النساء) لتحديد أنصبة الورثة.
- العدل والمساواة: قُسمت التركة بما يُراعي المصلحة العامة للأسرة والمجتمع.
- منع الإسلام حرمان الورثة الشرعيين، ووضع حدًا لإساءة استخدام الوصايا.
- حق النساء في الإرث: أعطى الإسلام للمرأة نصيبًا محددًا في الميراث، وهو تطور ملحوظ مقارنة بالنظم السابقة.
آليات توزيع التركات في الفقه الإسلامي: يتم تسديد ديون المتوفى أولاً، ثم تُنفذ الوصايا في حدود الثلث، ثم تُقسم التركة بين الورثة وفقًا للأنصبة الشرعية المحددة.
التركات في التشريعات الحديثة
أ. التشريعات العربية والإسلامية:
– السعودية: تُطبق أحكام الشريعة الإسلامية في مسائل التركات. يتم توزيع الإرث وفقًا للأنصبة الشرعية مع الالتزام بتنفيذ الوصايا وسداد الديون أولاً.
– مصر: ينظم قانون المواريث المصري (القانون رقم 77 لسنة 1943) أحكام التركات وفقًا للشريعة الإسلامية، مع تخصيص مواد لتنظيم حالات خاصة مثل الغائبين أو الوصايا.
– الإمارات: يعتمد قانون الأحوال الشخصية الإماراتي (القانون الاتحادي رقم 28 لسنة 2005) على الشريعة الإسلامية في قضايا التركات.
ب. التشريعات الغربية:
تختلف قوانين التركات في الدول الغربية باختلاف النظام القانوني. في معظم الدول الغربية:
- يتمتع الأفراد بحرية واسعة في تحديد كيفية توزيع أموالهم بعد وفاتهم من خلال الوصايا.
- تُطبق القوانين العامة إذا لم يترك المتوفى وصية (القانون المدني أو قانون الميراث العام).
- إدخال الضرائب على التركات: في بعض الأنظمة الغربية، تُفرض ضرائب على التركات إذا تجاوزت قيمتها حدًا معينًا.
ج. نظام التركات في الدول المختلطة:
في بعض الدول ذات النظم القانونية المختلطة، مثل الهند وماليزيا، تُطبق قواعد الإرث الإسلامي على المسلمين، بينما تخضع الأقليات لقوانينها الخاصة.
- الاتجاهات الحديثة في تنظيم التركات
التقنية في إدارة التركات:
ظهور خدمات إلكترونية لتسجيل الوصايا وتحديد الورثة.
تسهيل إدارة أصول المتوفى عبر الأنظمة الرقمية.
التحديات المعاصرة في التركات
- النزاعات بين الورثة: غالبًا ما تنشأ الخلافات حول توزيع التركات، خاصة في حالة عدم وجود وصية واضحة.
- الأصول العابرة للحدود: عند امتلاك المتوفى أصولًا في دول مختلفة، قد تنشأ تعقيدات قانونية.
- تعقيد الأصول الحديثة: مثل العملات الرقمية، التي تحتاج إلى أطر قانونية جديدة لضمان توزيعها.
نظام التركات يمثل جانبًا حيويًا من التشريعات القانونية، إذ يُنظم انتقال الثروات بين الأجيال بما يحقق العدالة الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي. بينما تظل المبادئ الأساسية لتنظيم التركات ثابتة في معظم الأنظمة القانونية، فإن التطورات الحديثة تسعى إلى تبسيط الإجراءات وإيجاد حلول للتحديات الجديدة.