نص القانون المدني المصري ونظام المعاملات المدنية الصادر في المملكة العربية السعودية على أسباب كسب الملكية على سبيل الحصر، وبالتالي لا يجوز الاستناد إلى غيرها للادعاء بكسب الملكية. ولا يجوز للقضاء الحكم بتثبيت الملكية إلا استنادًا لأحد هذه الأسباب وإلا كان الحكم القضائي مشوبًا بمخالفة القانون كما نصت محكمة النقض المصرية. فذهبت المحكمة إلى أن: (أسباب كسب الملكية الواردة في القانون على سبيل الحصر وفقًا للمواد 870 وما بعدها من القانون المدني: الاستيلاء والميراث والوصية والعقد والشفعة والتقادم المكسب فضلًا عن أحكام رسو المزاد في البيوع الجبرية). نقض 26/6/1980. طعن 1077. س47ق. فمن بين أسباب اكتسبا الملكية -المذكورة حصرًا-: الوصية.
فقد نصت المادة (646) من نظام المعاملات المدنية على أن: (يملك الموصى له المال الموصى به، وفقًا للنصوص النظامية الخاصة بالوصية). كما نصت المادة (915) من القانون المدني المصري على أن: (تسري على الوصية أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة في شأنها). ويقصد بالوصية: (التصرف في التركة المضاف إلى ما بعد موت المتصرف). وتصح الوصية وتنفذ في حدود الثلث من التركة بعد سداد ديونها سواء كانت لوارث أو لغير وارث أو لصاحب وصية واجبة. أما إن زادت -ولو تعددت الوصايا- عن الثلث فهي صحيحة، لكن لا تنفذ في حق الوارث إلا إذا أجازها بعد موت المورث، وكان أهلًا للتبرع، وقصد الإجازة. فإن لم يجز الزيادة أنقصت الوصية إلى الثلث. فإن لم يكن للمتوفي وارث وليس مدينًا صحت وصيته في كل أمواله.
وتثار مسألة قانونية مهمة بشأن الوصية عن مدى صحة التصرفات التي يقوم بها مريض مرض الموت؟ وما إذا كانت تعد من قبيل الوصية، أم لا؟ نظرًا لتأثر حقوق الوارث من التركة بما سيوصي به المورث.
مرض الموت
الضوابط المقررة لمرض الموت -كما قررت محكمة النقض المصرية-: (أن يكون المرض مما يغلب فيه الهلاك ويشعر معه المريض بدنو أجله وأن ينتهي بوفاته. فإذا استطال المرض لأكثر من سنة فلا يعتبر مرض موت مهما يكن من خطورة هذا المرض واحتمال عدم برء صاحبه منه. وتكون تصرفات المريض في هذه الفترة صحيحة، ولا تعد حالة من حالات مرض الموت، إلا في فترة تزايدها واشتداد وطأتها. إذ العبرة بفترة الشدة التي تعقبها الوفاة). نقض 8/2/1984. طعن 1002. س49ق. فلا يشترط إذًا في مرض الموت ملازمة صاحبه الفراش على وجه الاستمرار والاستقرار ولكن يكفي أن يلازمه وقت اشتداد العلة. كما لا يشترط فيه أن يؤثر على سلامة إدراك المريض أو ينقص من أهليته للتصرف.
ولا يمكن تقدير المرض على أنه مرض موت إلا إذا انتهى بموت صاحبه، مما لا يتأدى معه معرفة أن المرض من أمراض الموت إلا بتحقق هذه النتيجة. وتظهر أهمية تحديد معنى مرض الموت وتبين حكمه القانوني من أن: التصرف الصادر من المورث المريض مرض الموت ويكون مقصودًا به التبرع يعتبره القانون وصية، وتسري عليه أحكامها؛ ما يعني: أنه يحمي الورثة إذ أن تصرف المورث في مرض موته على سبيل التبرع لا يجاز إلا في حدود الثلث من التركة إلا إذا أجازوه تخريجًا على أن هذا التصرف وصية.
فقد نصت المادة (916) من القانون المدني المصري على أن: (كل عمل قانوني يصدر من شخص في مرض الموت ويكون مقصودًا به التبرع يعتبر تصرفًا مضافًا إلى ما بعد الموت. وتسري عليه أحكام الوصية، أيًا كانت التسمية التي تعطي لهذا التصرف). وقد عمم النص فأعطى حكم الوصية لكل عمل قانوني يصدر في مرض الموت -كما قررت المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري-، كالبيع والهبة والإقرار والإبراء وغير ذلك من التصرفات، ما دام قصد بها التبرع. وعلى هذا الحكم نص نظام المعاملات المدنية في المادة (648) فقرر أن: (كل تصرف نظامي يصدر من شخص في مرض الموت ويكون تبرعًا أو معاوضة فيها محاباة يأخذ التبرع أو قدر المحاباة فيه حكم الوصية). وقصد التبرع مفترض -كما نص القانون المدني المصري ومذكرته الإيضاحية-، وعلى: (ورثة من تصرف أن يثبتوا أن العمل القانوني قد صدر من مورثهم وهو في مرض الموت، ولهم إثبات ذلك بجميع الطرق ولا يحتج على الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتًا. وإذا أثبت الورثة أن التصرف صدر من مورثهم في مرض الموت اعتبر التصرف صادرًا على سبيل التبرع، ما لم يثبت من صدر له التصرف عكس ذلك. كل هذا ما لم توجد أحكام خاصة تخالفه). كما نصت بقية المادة (916) من القانون المدني المصري.
شروط سريان حكم الوصية على تصرف المريض مرض الموت
أولًا: صدوره منه في مرض الموت
يذهب فقهاء الشريعة الإسلامية إلى تعريف مرض الموت بأنه هو الذي يغلب في الموت عادةً ويتصل به الموت فعلًا. ويميل القضاء -كما أسلفنا- إلى اشتراط حدوث الوفاة واتصالها بالمرض قبل مضي عام على بداية المرض، بحيث إذا استطالت مدة المرض عن ذلك ولم تتزايد ولم تتفاقم فلا يعتبر المرض مرض موت. ويكون كل عمل قانوني صادر من المورث في مرض موته يقصد به التبرع يضاف إلى ما بعد الموت فيعد من قبيل الوصية.
والنص على صدور التصرف من المورث في مرض الموت عام لا يقتصر على تصرف قانوني دون آخر -كما أسلفنا-، أيًا كانت تسميته. ويقع على الورثة عبء إثبات وجود مرض الموت في حالة مورثهم بكافة الطرق، بما فيها البينة والقرائن. فيجب عليهم إقامة الدليل على ادعائهم. فإن عجز الورثة عن ذلك، ظل التصرف حجةً عليهم وملزمًا لهم. ولم يعتبر من قبيل الوصية.
ويجب على الوارث -كما قررت محكمة النقض- أن يبدي طعنه في التصرف بصدور تصرف مورثه في مرض الموت في صيغة صريحة جازمة تدل على تمسك صاحبه بأن التصرف صدر في مرض الموت، ومقصودًا به التبرع؛ فتسري عليه أحكام الوصية. وطالما أنه لم يتمسك بهذا الطعن أمام محكمة النقض فلا يقبل منه إبداؤه لأول مرة أمام محكمة النقض. نقض 13/2/1969، طعن 47، س35ق.
ثانيًا: أن يقصد بالتصرف التبرع
ويقع على المورث عبء إثبات هذا القصد. وقد ذهب الدكتور السنهوري في كتابه الوسيط إلى أن: الوارث متى أثبت أن التصرف قد صدر في مرض الموت فقد أقام قرينة قانونية على أن التصرف قد قصد به التبرع. فالإنسان لا يتصرف في مرض موته عادةً إلا على سبيل التبرع، ويندر أن يكون في تصرفه والموت ماثل أمام عينيه قد قصد المعاوضة. وهذه القرينة القانونية قابلة لإثبات العكس، فيجوز لمن صدر له التصرف أن يدحضها بأن يثبت أن هذا التصرف كان على سبيل المعاوضة.
واستظهار النية مسألة موضوعية لا تدخل فيها لمحكمة النقض ما دامت الوقائع التي بسطتها فيه تؤدي إلى النتيجة القانونية التي قررتها. نقض 16/4/1984. طعن 768. س49.
ويطلق على كل ما سبق (الوصية المستترة) خلافًا للوصية السافرة التي نص عليها حكم المادة (917) من القانون المدني المصري، والمادة (648) من نظام المعاملات المدنية.