الدعوى غير المباشرة في نظام المعاملات المدنية وفي القانون المدني المصري

الدعوى غير المباشرة في نظام المعاملات المدنية وفي القانون المدني المصري

كفل القانون عدة ضمانات ووسائل تكفل تنفيذ المدين لالتزامه. فالدائن يتمتع بنوعين من الضمانات على مدينه، أولًا: الضمان العام على جميع أمواله. فيكون له حق اقتضاء دينه منها، سواء وجدت هذه الأموال في ذمته المالية وقت نشوء حق الدائن أو أضيفت إليها بعد نشوء الحق، فيكفي وجودها وقت التنفيذ. ويتساوى جميع الدائنين في هذا الضمان. ولا يكون للدائن فيه حق التتبع. ثانيًا: الضمان الخاص الذي يقع على مال معين للمدين ويقرر لمصلحة أحد الدائنين كحق رهن أو اختصاص فيتقدم من له حق الضمان الخاص على غيره. ويكون له حق التتبع إذا انتقلت أموال المدين من يده إلى غيره.

فأموال المدين إذًا هي محل اقتضاء دينه. وعلى هذا نص القانون المدني المصري (م/ 234) ونظام المعاملات المدنية (م/ 181) بالقول: (أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه. وجميع الدائنين متساوون في هذا الضمان إلا من كان له منهم حق التقدم طبقًا للقانون). وبإمكان الدائن أن ينفذ بحقوقه على أموال المدين سواء بالتنفيذ العيني أو بالتعويض. ومن بين الوسائل التي ضمنها القانون للدائن للحصول على أمواله من ذمة المدين (الدعوى غير المباشرة).

الدعوى غير المباشرة

دعوى يرفعها الدائن على مدين مدينه مطالبًا بحقوق مدينه، ويرفعها الشخص بوصفه دائنًا للمدين ويختصم فيها المدين ومدين المدين طالبًا فيها الحكم لصالح المدين حتى يحق له استيفاء دينه منه. فالدعوى غير المباشرة نظام قانوني يخول للدائن أن يستعمل باسم مدينه حقوق هذا المدين إن لم يستعملها المدين بنفسه، الهدف منها المحافظة على الضمان من إهمال المدين في استعمال ما له من حقوق والذي قد يؤدي إلى عدم كفاية أموال المدين للوفاء بالتزامه تجاه الدائن. هذا النظام القانوني عبارة عن (نيابة قانونية) للدائن عن المدين في استعمال حقه إذا لم يستعمله هذا الأخير.

فقد نصت المادة (235) من القانون المدني المصري على أنه:

1 – لكل دائن ولو لم يكن حقه مستحق الأداء أن يستعمل باسم مدينه جميع حقوق هذا المدين، إلا ما كان منها متصلا بشخصه خاصة أو غير قابل للحجز.

2 – ولا يكون استعمال الدائن لحقوق مدينه مقبولا إلا إذا اثبت أن المدين لم يستعمل هذه الحقوق وأن عدم استعماله لها من شأنه أن يسبب إعساره أو أن يزيد في هذا الإعسار، ولا يشترط إعذار المدين لاستعمال حقه ولكن يجب إدخاله خصما في الدعوى.

كما نصت المادة (182) من نظام المعاملات المدنية على أنه:

1 – لكل دائنٍ ولو لم يكن حقه مستحق الأداء أن يستعمل حقوق مدينه إلا ما كان منها متصـلًا بشخصه خاصـةً أو غير قابلٍ للحجز، وذلك إذا لم يستعمل المدين هذه الحقوق وكان من شأن ذلك أن يؤدي إلى زيادة ديونه على أمواله.

2- لا يلزم لاستعمال الدائن حقوق مدينه إعذار هذا المدين، ولكن إذا رفعت دعوى باسم المدين وجب إدخاله فيها.

3- يعد الدائن نائبًا عن مدينه في استعمال حقوقه، وكل نفعٍ يعود من استعمال هذه الحقوق يكون من أموال المدين وضمانًا لجميع دائنيه.

شروط قبول الدعوى غير المباشرة

ترد جميعها إلى فكرة أساسية تتمثل في وجود مصلحة مشروعة للدائن.

أولًا: أن يكون حق الدائن موجودًا وخالٍ من النزاع.

ويكون الحق موجودًا سواء كان معلقًا على شرط، أو مضافًا لأجل سواء كان الشرط أو الأجل واقفًا أو فاسخًا. فلا يكفي الحق الاحتمالي كحق الوارث في أموال مورثه. ولا يشترط أن يكون الحق مستحق الأداء أو ثابت بسند تنفيذي أو معلوم المقدار فللمضرور في عمل غير مشروع استعمال الدعوى غير المباشرة وإن كان حقه غير معلوم المقدار. كما لا يشترط أن يكون حق الدائن سابقًا على حق المدين موضوع الدعوى غير المباشرة.

ثانيًا: توافر أساس الدعوى وهو مراعاة مصالح الدائن القانونية العاجلة.

ويلزم لذلك أن يقعد المدين عن المطالبة بحقه، سواء رجع هذا إلى سوء نيته أو إهماله. ومتى توافر للدائن هذا الدليل على إحجام مدينه عن التحرك للمطالبة بحقه ما يتسبب في إعساره أو زيادة إعساره القائم كان له استخدام طريق الدعوى غير المباشرة. فلا يلتزم موقفًا سلبيًا في الرقابة والإشراف على المدين، ولكن يتولى الأمر بنفسه. ويراد بالإعسار هنا الفعلي لا القانوني، الذي يتطلب حكمًا بشهره. ويتعين على الدائن إثبات هذا الإعسار عند رفعه الدعوى غير المباشرة. ويكفي أن يثبت أن الحق موضوع الدعوى إذا سقط يؤدي إلى إعسار المدين أو زيادة إعساره.

ولا يلزم الدائن بإعذار المدين رغم ما يؤخذ عليه من تراخ وإحجام. ولكن إذا كان من حق الدائن أن يقاضي الغير باسم مدينه دون إعذار لكن من واجبه إدخال المدين خصمًا في الدعوى حال رفعها وإلا جاز للخصم أن يدفع بعدم قبولها. وقد نص القانون المدني المصري ونظام المعاملات المدنية على هذا الوجوب. على أنه قد يتدخل الخصم في الدعوى أو تدخله المحكمة حتى يكون الحكم ساريًا في حقه كما يسري في حق باقي الدائنين دون اختصامهم إذ ينوب المدين منهم. وفي هذه الحالة لا يكون له حق رد الدعوى لعدم إدخاله فيها ابتداءً.

ثالثًا: أن تكون للدائن مصلحة من استعمال الدعوى غير المباشرة.

بأن يكون الحق موضوع الدعوى يمكن الحجز عليه، وألا يكون مثقلًا بالديون المتقدمة على دينه حد الاستغراق. فليس للدائن أن يقطع تقادم عين مرهونةٍ لآخر، لأنه في هذه الحالة يصح للمدين والحائز الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة.

رابعًا: ألا يكون الحق موضوع الدعوى متصلًا بشخص المدين أو لا يمكن الحجز عليه.

فالحقوق المتصلة بالشخصية مثل: المتولدة عن مسائل الأحوال الشخصية كالنفقة لا يصح للدائن المطالبة بها عن طريق الدعوى غير المباشرة. فليس للدائن إثبات نسب يثري مدينه أو المطالبة له بنفقة. وينطبق الحكم ذاته على الحق المالي إذا كان له اعتبارات أدبية. مثل: التعويض عن الأضرار الأدبية إن لم يرغب فيها الدائن. فليس للدائن في هذه الحالة أن يطالب مدينه بها عبر الدعوى غير المباشرة.

خامسًا: أن يكون الحق الذي يستعمله الدائن باسم مدينه حقًا لا رخصة.

فلا يجوز للدائن استعمال الرخصة عن طريق الدعوى غير المباشرة. مثل: قبول إيجاب موجه للمدين، أو إنهاء عقد من عقوده.

آثار توافر شروط الدعوى غير المباشرة

يكون للدائن أن يطالب بكل حقوق مدينه شخصية كانت مثل: الحقوق التي محلها النقود أو العين أو العمل أو الامتناع عن العمل، أو عينية مثل: حق الملكية أو الانتفاع أو الارتفاق.

الأثر المترتب على الحكم في الدعوى

نيابة الدائن عن مدينه في الدعوى غير المباشرة نيابة قانونية تمتاز بأنها لمصلحة النائب لا الأصيل، وتقتصر على استعمال الحق دون التصرف فيه. فرغم قيام النيابة إلا إنه لابد من إدخال المدين، كما لا يجوز للدائن المصالحة على الحق، كما لا تغني إجراءات الدعوى غير المباشرة عن التنفيذ. فأثر الحكم في الدعوى غير المباشرة كما أقرت المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري يتمثل في: إدخال ما تسفر عن تحصيله في ذمة المدين وإلحاقه بالضمان العام للدائنين. وكان مقتضى النيابة عدم الحاجة إلى إدخال المدين -وهو الأصيل- خصمًا في الدعوى إلا أن هذه الدعوى تقتصر على استعمال الحق دون التصرف فيه. ولذلك يترتب أثر آخر ينصرف إلى المدين يتمثل في بقائه محتفظًا بحقه الذي يباشر الدائن استعماله نيابةً عنه لأن الدائن ليس إلا نائبًا عنه والقاعدة أن الأصيل يبقى حر التصرف فيما ناب عنه غيره فيه.

على أنه وإن كانت الدعوى غير المباشرة لا تفيد الدائن دائمًا إذ يشاركه باقي الدائنين، إلا أن المقنن قرر له دعوى أخرى مباشرة يستأثر فيها بالحق الذي في مدينه لذمة آخرين، ونص عليها في حالات خاصة وهي: المؤجر مع المستأجر من الباطن (م/ 596 مدني مصري)، والمقاول من الباطن والعمال مع رب العمل. (م/ 662 مدني مصري). فيرفع الدائن الدعوى في الحالات السابقة الدعوى باسمه ويختصم مدينه ومدين مدينه مطالبًا إلزام الأخير بأداء ما ذمته لدائنه وهو مدين رافع الدعوى، خلافًا للدعوى غير المباشرة التي إن رفعها باسمه لا باسم مدينه مطالبًا الحكم له لا لمدينه عدت استعمالًا لحق مباشرٍ منه ولم تعتبر دعوى غير مباشرة. (نقض 9/5/1991).