العرف في ضوء نظام المعاملات المدنية والقانون المدني المصري

العرف في ضوء نظام المعاملات المدنية والقانون المدني المصري

العرف من المصادر الرسمية للقاعدة القانونية في القانون المدني المصري. فهو المصدر الأول من المصادر الاحتياطية التي تلي التشريع؛ فقد نصت المادة الأولى من القانون  المدني المصري على أن: (تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها. فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى الشريعة الإسلامية، فإذا لم توجد فبمقتضى القانون الطبيعي وقواعد العدالة). ويقصد بالمصادر الرسمية: التي يستقي منها القاضي الحكم في النزاع المطروح دون أن يتعداها إلى سواها. فيطبق القاضي على النزاع المعروض أمامه أحكام القانون المدني إن كان قد نظم المسألة المعروضة أمامه صراحةً أو ضمنًا، وإلا كان حكمه معيبًا بمخالفة القانون. فإن لم يوجد نص قانوني انتقل إلى المصدر التالي وهو العرف.

ويمكن اعتبار العرف في ضوء نظام المعاملات المدنية في نفس الموضع الذي وضعه القانون المدني المصري باعتباره مصدرًا احتياطيًا يلي التشريع في القوة. فالعرف من ضمن مجموعة القواعد الكلية الواردة في الأحكام الختامية لنظام المعاملات المدنية والتي نص النظام على اتباع القاضي لها إن لم يوجد نص نظامي يمكن تطبيقه. فمن القواعد التي تنظم العرف القاعدتان الرابعة التي تنص على أن: (التعيين بالعرف كالتعيين بالنص)، والخامسة التي تنص على أن: (المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا). وقد نصت المادة رقم (88) من نظام الإثبات على أنه: (يجوز الإثبات بالعرف، أو العادة بين الخصوم، وذلك فيما لم يرد فيه نص خاص أو اتفاق بين الأطراف أو فيما لا يخالف النظام العام).

العرف

عادة أو سنة تواترت في جماعة وتراضت على الالتزام بها في معاملاتها. فالعادة محكمة كما نص الفقهاء، ويعني هذا أن العادة عامةً كانت أو خاصة تُجعل حكمًا لإثبات حكم شرعي. فهي المرجع عند النزاع. وهي مأخوذة من قول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن). وتكون العادة معتبرة إذا اطردت أو غلبت. وعلى هذا يكون للعرف عنصران يجب توافرهما لينتقل من خانة العادة إلى اعتباره سنة ملزمة.

عناصر العرف

عنصر مادي والآخر معنوي. المعنوي: هو عنصر العادة. أي: أن يكون السلوك سنة متواترة بين الأفراد. والمادي: أن يكون له طابع الإلزام. ومتى استوفى العرف عنصريه على النحو السابق أصبح قاعدة قانونية مثلها مثل: القاعدة القانونية التشريعية، وتتساوى معها في كافة الوجوه عندما يلجأ القاضي إلى تطبيقها على النزاع في حالة عدم وجود نص تشريعي يسري في شأنه.

إثبات العرف

بينت (الأدلة الإجرائية لنظام الإثبات) الصادرة بقرار وزارة العدل رقم 921 وتاريخ 16-02-1444 على من يقع عبء إثبات وجود العرف فبينت المادة رقم (90) أن: (على من يتمسك بالعرف أو العادة أن يبين العرف أو العادة التي يتمسك بها، وصلتهما بالدعوى، وأثرهما فيها، وما يثبت وجودهما وقت الواقعة). فيجب على من يدعي وجود العرف أن يبينه ويظهر صلته بالدعوى وأثره فيها وما يثبت وجودهما وقت الواقعة. ولا يعني أن هذا عدم إمكان تطبيق القاضي للقاعدة العرفية فالقاعدة العرفية قاعدة تشريعية تثبت بموجب أحكام النظام، فهي بمثابة مصدر احتياطي لا تثريب على القاضي إن تحقق من قيامها وحكم بمقتضاها طالما لم يوجد نص تشريعي ينظم المسألة المعروضة أمامه، فمن حقه تطبيق القاعدة العرفية والبحث عنها من تلقاء نفسه دون حاجة، ولا يحول هذا دون قيام الخصوم بإثبات وجود قاعدة عرفية يحق لهم التمسك بها أمام المحكمة.

وإذا ما أراد الخصم الطعن على في ثبوت العرف أو العادة تعين عليه أن: (أن يبين وجه طعنه، أو ما يثبت معارضتهما بما هو أقوى منهما)، وفق نص المادة (91) من (الأدلة الإجرائية لنظام الإثبات) الصادرة بقرار وزارة العدل رقم 921 وتاريخ 16-02-1444.

التثبت من قيام العرف

إذا ما دفع أحد أطراف الدعوى أمام القضاء بوجود عرف معين، (كأن يتمسك الطاعن بوجود عرف يقضي باستحقاق الأجرة عند انتهاء الإيجار، وكان الحكم قد قضى في الدعوى على أساس وجود عرف يقضي باستحقاق الأجرة قبل تاريخ الإيجار، دون أن تتثبت المحكمة من قيام ذلك العرف أو بيان مصدره، فإنها تكون قد خالفت القانون)، (نقض 31/4/1966). على أن التحقق من قيام العرف أمر متروك لقاضي الموضوع لا تصح إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، (نقض 22/4/1977).

كما ذهبت محكمة النقض المصرية أيضًا إلى أنه وإن كان التثبت من قيام العرف متروك لقاضي الموضوع، إلا أنه لا يعفى من بيان دليله على قيامه والمصدر الذي استقى منه ذلك إذا نازع أحد الخصوم في وجوده.

قاعدة (التعيين بالعرف كالتعيين بالنص).

هي القاعدة الرابعة الواردة ضمن مجموعة القواعد الكلية الواردة في الأحكام الختامية لنظام المعاملات المدنية، وقد نصت عليها مجلة الأحكام العدلية من قبل في المادة رقم (45) من المجلة. وقد وردت في الكتب الفقهية عبارات أخرى بهذا المعنى منها: (الثابت بالعرف كالثابت بالنص)، و(المعروف بالعرف كالمشروط باللفظ). فلو اشترى شخص بقرة وتبين له بعد شرائها أنها غير حلوب وأراد ردها، فينظر إلى حاله إن كان ممن يشتري للذبح كأن يكون قصابًا فلا يجوز له الرد، وإن كان ممن يشتري لأجل الانتفاع بحليبها جاز له الرد.

قاعدة (المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا).

هي القاعدة الخامسة الواردة ضمن مجموعة القواعد الكلية الواردة في الأحكام الختامية لنظام المعاملات المدنية، وقد نصت عليها مجلة الأحكام العدلية من قبل في المادة رقم (43) من المجلة. وقد أوردت المجلة مثالًا على هذه القاعدة في المادة رقم (472)، وفيها تقول: (من استعمل مال غيره من دون عقد فإن كان معدًا للاستغلال تلزمه أجرة المثل وإلا فلا، لكن لو استعمله بعد مطالبة صاحب المال الأجرة وإن لم يكن معدًا للاستغلال يلزمه إعطاء الأجرة لأنه باستعماله في هذا الحال يكون راضيًا بإعطاء الأجرة).

وقد وردت تطبيقات ومبادئ قضائية في المملكة العربية السعودية على هذه القواعد منها ما قرره (مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة) من أن: (الشرط الجزائي معتبر، إذا كان في حدود المعقول عرفاً) (1421/5/8)، (4 /320). المبدأ (59) المنشور في المبادئ والقرارات الصادرة من الهيئات القضائية لمجلس القضاء الاعلى والمحكمة العليا. كما قرر مجلس القضاء الأعلى أيضًا أنه: (ينبغي للقاضي ألا يتصور انحصار الشركات فيما ذكر الفقهاء رحمهم الله، بل الأمر يرجع إلى العُرف، إلا إذا وجد دليل من الشارع يحدد الشركات، وإنما الفقهاء ذكروا مسميات ما وجد، وعدم وجود اسم آخر على فرض حصول الحصر لا يدل على بطلان ما يوجد بعد، إذا لم يخالف نصًّا). المبدأ (174) المنشور في المبادئ والقرارات الصادرة من الهيئات القضائية لمجلس القضاء الاعلى والمحكمة العليا، (6/102)، (1418/1/27). كما قرر مجلس القضاء الأعلى أيضًا أنه: (عند النظر القضائي ينبغي مراعاة المبلغ المطالب به، فإن كان كثيرا فإن أعراف الناس عادة لا تدفع إلّا بموجب عقود ومستندات، فينبغي التأكد من ذلك). المبدأ (2152) المنشور في المبادئ والقرارات الصادرة من الهيئات القضائية لمجلس القضاء الاعلى والمحكمة العليا. (6/579)،(1419/2/28).