العقود المسماة: عقد البيع في نظام المعاملات المدنية والقانون المدني المصري

العقود المسماة: عقد البيع في نظام المعاملات المدنية والقانون المدني المصري

عقد البيع من العقود المسماة التي ترد على الملكية. ويقصد بمصطلح (العقود المسماة): تلك الطائفة من العقود التي نظم المقنن أحكامها تنظيمًا خاصًا لكثرة تداولها بين الناس إلى حد استقرار قواعدها، نحو الهبة والشركة والبيع. هذه الطائفة من العقود فضلًا عن تنظيم أحكامها بقواعد خاصة إلا أنه يسري عليها ذات القواعد العامة في نظرية العقد التي تنظم العقود غير المسماة. وقد أوردت المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري هذا النص صراحةً فقالت: (1- تسري على العقود المسماة منها وغير المسماة القواعد العامة التي يشتمل عليها هذا الفصل. 2- أما القواعد التي ينفرد بها بعض العقود المدنية فتقررها الأحكام الواردة في الفصول المعقودة لها، وتقرر قوانين التجارة القواعد الخاصة بالعقود التجارية). وقد حذفت لجنة المراجعة هذا النص لعدم الحاجة إليه.

وقد اتبع نظام المعاملات المدنية نفس المنهج فنص في المادة الأولى من الباب الأول (مصادر الالتزام) في فصل العقد على أن: (تطبق الأحكام الواردة في هذا الفصل على العقود المسماة وغير المسماة وذلك دون إخلال بالأحكام الواردة في النصوص النظامية التي تنظم عقودًا ذات طبيعة خاصة). (م/ 30).

أنواع العقود المسماة

وقد رتب التقنين المدني المصري العقود المسماة حسب المحل الذي يقع عليه العقد فقسمها إلى: عقود ترد على الملكية، وعقود ترد على المنفعة، وعقود ترد على العمل، وعقود احتمالية ينتظمها أنها تدور جميعًا على احتمال قد يتحقق وقد لا يتحقق. ويهمنا من بين العقود المسماة العقود التي ترد على الملكية، يحكم هذه العقود خصائص واحدة وهي: التزام أحد المتعاقدين بنقل ملكية شيء إلى المتعاقد الآخر ويلتزم في ذات الوقت بتسليم هذا الشيء وبضمان التعرض والاستحقاق والعيوب الخفية. ويلتزم المتعاقد الآخر من جهته بدفع المقابل الذي تعهد به في نظير الشيء الذي انتقلت إليه ملكيته إن كان هناك مقابل. ثم ينفرد كل عقد بعد ذلك بخصائصه الذاتية. ويهمنا في هذا المقام بحث بعض جوانب عقد البيع.

تعريف عقد البيع

عرف القانون المدني المصري البيع أنه: (عقد يلتزم به البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقًا ماليًا آخر في مقابل ثمن نقدي). وتعريف البيع هذا له ميزتين من وجهة المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري: أولًا: أن البيع لا يقتصر على نقل الملكية، بل يجاوز ذلك إلى نقل أي حق مالي آخر. فقد يقع البيع على حق عيني غير حق الملكية، مثل: حق الانتفاع وحق الارتفاق. ثانيًا: أن الثمن لابد أن يكون نقودًا. وهذا وصف جوهري يحسن ذكره في التعريف؛ لأنه يميز بين البيع والمقابضة. خلافًا للشريعة الإسلامية التي فيها البيع مبادلة مال بمال. فيشمل غير البيع المقابضة والصرف. وهذا ما اتجهت إليه مجلة الأحكام العدلية عندما عرفت البيع أنه: (مبادلة مال بمال، ويكون منعقدًا وغير منعقد). (م/ 105).

ويمكن إجمال خصائص عقد البيع في أنه: أولًا: عقد ملزم للجانبين أي: يلتزم فيه البائع بنقل ملكية شيء أو أي حق مالي آخر إلى المشتري الذي يلتزم بدفع الثمن. ثانيًا: عقد البيع عقد معاوضة، فالبائع يأخذ ثمنًا مقابلًا للمبيع والمشتري يأخذ المبيع مقابلًا للثمن. ثالثًا: عقد البيع عقد رضائي. فلم يشترط القانون شكلًا خاصًا لانعقاده، فينعقد بمجرد تراضي المتعاقدين. وهذا ما قررته لجنة الفصل في المنازعات المصرفية والتمويلية في الحكم رقم 269 لسنة 1429 عندما قالت: (عقد الأصل في عقد البيع الرضائية ولا يعتبر من العقود الشكلية التي يلزم لانعقادها شكل خاص ما لم ينص نظام على غير ذلك). وأخيرًا: عقد البيع عقد ناقل للملكية فهو يرتب التزامًا في ذمة البائع بنقل ملكية المبيع إلى المشتري كما يورد النص صراحةً.

ولم يسلك نظام المعاملات المدنية نفس مسار القانون المدني المصري عندما قرر أن البيع التزام نقل ملكية، ولكن قرر أنه: (عقد يُمـَـلِّـكُ بمقتضاه البائع المبيع للمشتري مقابل ثمن نقدي). فالبيع ليس التزامًا في ذمة البائع تجاه المشتري ينقل من خلاله ملكية المبيع إليه، ولكنه تمليك منه للمبيع مقابل ثمن نقدي. وقد لاحظ الأستاذ سليمان مرقص هذه المشكلة في تعريف القانون المدني المصري للبيع: (فهو لا ينبئ عن أهم أثر يترتب على البيع في القانون الحديث وهو انتقال الملكية بمجرد العقد).

أركان عقد البيع

يرجع فيها إلى القواعد العامة الواردة في فصل العقد في بداية نظرية الالتزام، والتي تنص على أن أركان العقد -أي عقد وليس عقد البيع فقط- كما أسلفنا هي: الرضا والمحل والسبب.

أولًا: الرضا.

الرضا هو تطابق إرادتين. ويقصد بالإرادة هنا: التي تتجه لإحداث أثر قانوني معين وهو إنشاء الالتزام. ويراد بها التصرف القانوني، والذي يجب صدوره من صاحبه بنية إحداث أثر قانوني وهو إنشاء الالتزام.

ويتحقق الرضا إذا توافقت إرادتا متعاقدين أو أكثر لديهما أهلية التعاقد، وعُبِّر عن الإرادة بما يدل عليها. (م/ 32). فيما يتعلق بأهلية المتعاقدين فتتحقق لكل شخص أهل للتصرف، ما لم يكن عديم الأهلية أو ناقصها بمقتضى نص نظامي. (م/ 47). فالأصل في الشخص توافر الأهلية، أما عدم الأهلية فيجب أن يقرر بمقتضى نص القانون. ويتفرع على ذلك قيام قرينة على توافر الأهلية من شأنها إلقاء عبء على عاتق من يتمسك بعدم الأهلية يتمثل في إثباتها.

وفيما يتعلق بإرادة المتعاقدين: فيعبر عنها الإيجاب والقبول ويكون هذا بكل ما يدل على الإرادة، طالما فهم منه تطابق الإيجاب مع القبول. فالإيجاب هو العرض الذي يعبر به الشخص الصادر منه على وجه جازم عن إرادته في إبرام عقد معين، بحيث إذا ما اقترن به قبول مطابق انعقد العقد.

ويرضى بعض الفقه أن التراضي على أصل العقد هو الأساس في انعقاده، ويلحق بأصل العقد جميع الأمور الجوهرية التي لها موقع أساسي في نظر العاقدين. ولذا أولًا: يجب أن يكون التراضي على أصل العقد واضحًا لاشك فيه. وثانيًا: يجوز أن يكون هذا التعبير عن الإرادة: صريحًا أو ضمنيًا. ويجوز أن يكون باللفظ أو بالكتابة أو بالإشارة المفهومة أو بالمعاطاة. وذلك ما لم تقتض النصوص النظامية أو الاتفاق أو طبيعة المعاملة خلاف ذلك.

ثانيًا: المحل.

محل الالتزام هو الشيء الذي يلتزم المدين القيام به.

ويصح أن يكون محلًا للالتزام: نقل حق عيني أو عمل أو امتناع عن عمل. (م/ 70). ويصح أيضًا أن يكون محل الالتزام: شيئًا مستقبلًا معينًا بنوعه ومقداره.

ويجب أن يتوافر في محل الالتزام الشروط التالية وإلا عد باطلًا:

  1. أن يكون ممكنًا في ذاته.
  2. ألا يكون مخالفًا للنظام العام.
  3. أن يكون معينًا بذاته أو بنوعه ومقداره أو قابلًا للتعيين. (م/ 72).

على أنه فيما عدا الأحوال التي تجيزها النظامية- فلا يصح أن تكون تركة شخص على قيد الحياة محلًا للتعامل، ولو كان قد صدر منه أو برضاه. (م/ 71). وعلة تحريم التعامل على التركة المستقبلية أن أجازتها قد يغري بإنهاء حياة صاحبها للاستفادة منها، كما أنه قد يساعد الوارث على تبديد التركة قبل أن يتقرر حقه في ميراثها.

ثالثًا: السبب.

يقصد بالسبب: الباعث المستحث في التصرفات القانونية عامةً. ووجوده السبب المشروع مفترض في التعاملات ولو أغفل ذكره في العقد، ما لم يقم دليل على غير ذلك. وإلى هذا اتجه نظام المعاملات المدنية. فيفترض أن كل عقد لم يذكر سببه فله سبب مشروع. ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك. (م/ 76). كما يفترض أيضًا مطابقة السبب المذكور في العقد للحقيقة إلى أن يقيم المدين الدليل على صوريته، فإذا أقيم هذا الدليل وجب على الدائن أن يثبت توافر الالتزام على سبب حقيقي تلحق به صفة المشروعية.

وأخيرًا: يقع باطلًا أي عقد يكون السبب الباعث على التعاقد فيه غير مشروع إذا: صُرِّح به في العقد، أو دلت عليه ظروف التعاقد.