المقاصة في ضوء القانون المدني المصري ونظام المعاملات المدنية

المقاصة في ضوء القانون المدني المصري ونظام المعاملات المدنية

أجازت القوانين المدنية مثل: القانون المدني المصري ونظام المعاملات المدنية انقضاء الالتزام بطرق تعادل الوفاء ومن بينها: وفاء الدين ببديل، والمقاصة، واتحاد الذمة. وأشهر هذه الطرق: المقاصة. وهي نوع من أنواع الوفاء بالدين، تحصل بمقدار الأقل من الدينين. وهي حق مقرر للمدين في أن يتمسك بانقضاء الالتزام المستحق عليه لدائنه دون تنفيذه عينًا نظير انقضاء ما هو مستحق له قبل هذا الدائن، وهو ما يقتضي وجود التزامين متقابلين متماثلين في المحل، ولو كان لكل منهما سببًا مغايرًا لسبب الالتزام المقابل، كما قررت محكمة النقض المصرية. الطعن رقم 4664. لينة 78ق.

وقال الزركشي في «المنثور»: ‌إذا ‌ثبت ‌لشخص ‌على ‌آخر دين، وللآخر عليه مثله. إما من جهة كسلم وقرض. أو من جهتين كقرض وثمن، وكان الدينان متفقين في الجنس والنوع والصفة والحلول، وسواء اتحد سبب وجوبهما كأرش الجناية، أو اختلف كثمن المبيع والقرض، ففيه أربعة أقوال:

أصحهما عند النووي، وهو ما نص عليه في الأم في اختلاف العراقيين، أن التقاصَّ يحصل بنفس ثبوت الدينين، ولا حاجة إلى الرضا؛ لأن مطالبة أحدهما الآخر بمثل ماله عناد، لا فائدة فيه.

والثاني: يسقط أحدهما بالآخر إن تراضيا، وإلا فلكل منهما مطالبة الآخر.

والثالث: يسقط برضا أحدهما.

والرابع: لا يسقط ولو تراضيا.

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: يشترط لحصول المقاصة الجبرية عند جمهور الفقهاء اتحاد الدينين جنسا ووصفا، وحلولا، وقوة وضعفا، ولا يشترط ذلك في المقاصة الاختيارية.

فإن كان الدينان من جنسين مختلفين، أو متفاوتين في الوصف أو مؤجلين، أو أحدهما حالا والآخر مؤجلا، أو أحدهما قويا والآخر ضعيفا، فلا يلتقيان قصاصا إلا بتراضي المتداينين سواء اتحد سببهما أو اختلف.

والمالكية لا يقولون بالمقاصة الجبرية التي تقع بنفسها إلا نادرا. قال الدسوقي: غالب أحوال المقاصة الجواز، أما وجوبها فهو قليل إذ هو في أحوال ثلاثة وهي: إذا حل الدينان، أو اتفقا أجلا، أو طلبها من حل دينه، فالمذهب وجوب الحكم بالمقاصة.

المقاصة

نصت المادة (362) من القانون المدني المصري على أن: (للمدين حق المقاصة بين ما هو مستحق له قبل هذا الدائن ولو اختلف سبب الدينين إذا كان موضوع كل منهما نقودًا أو مثليات متحدة في النوع والجودة وكان كل منهما خاليًا من النزاع مستحق الأداء صالحًا للمطالبة به قضاء. ولا يمنع المقاصة أن يتأخر ميعاد الوفاء لمهلة منحها القاضي أو تبرع بها الدائن).

وإلى هذا المعنى ذهب نظام المعاملات المدنية. فقد أجازت المادة (281) من نظام المعاملات المدنية للمدين المقاصة بين: (ما هو مستحق الأداء عليه لدائنه وما هو مستحق الأداء له اتجاه هذا الدائن، ولو اختلف سبب الدينين إذا كان موضوع كل منهما نقودًا وأشياءً متماثلة في النوع والصفة وكان كل منهما خاليًا من النزاع).

فللمقاصة معنيين -كما ذكرت المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري- أولهما: الوفاء، فكل من الدينين يقاص وفاءً بالدين الآخر، والثاني معنى الضمان، لأن من يتمسك بها لتلاقي ما وجب في ذمته لدائنه بما وجب له في ذمة هذا الدائن من حيث القصاص يضمن استيفاء دينه مقدمًا على سائر الدائنين.

فالمقاصة أداة وفاء وأداة ضمان، إذ بموجبها يقضى الدينان بقدر الأقل منهما، كما يستوفي بموجبها الدائن -أيضًا- حقه المستحق في ذمة مدينه متقدمًا على سائر الدائنين باعتبار أن الدين الذي في ذمته مخصص للوفاء بحقه. وتقع المقاصة -متى توافرت شروطها- أيًا ما كان سبب الدين أي: مصدره، سواء كان هذا السبب تصرفًا قانونيًا أو واقعة مادية. وقد نظم القانون (المقاصة القانونية) تاركًا بيان أحكام المقاصة القضائية والاتفاقية للقضاء وللفقه القانوني، فلم يورد بشأنهما نصوصًا وإن كانت الكتابات القانونية وأحكام القضاء تناولتها بالبيان.

أنواع المقاصة

أولًا: المقاصة القانونية

إذا تمسك بها من له مصلحة -وفقًا للمادة 365 من القانون المدني المصري- تعين على المحكمة أن تجيبه إلى طلبه فتقضي الدين الذي له بالدين الذي عليه بقدر الأقل منهما متى توافرت الشروط التالية:

  1. أن يكون كلًا منهما مسؤولًا شخصيًا عن الدين الذي في ذمته للآخر وفي ذات الوقت صاحب الحق المطالب به شخصيًا. أي: أن يكون الدينان متقابلين.
  2. أن يكون الدينان متماثلان في المحل كنقود أو أشياء مثلية متساوية في الجودة، أو نقود وأشياء متماثلة في النوع والصفة -كما قرر نظام المعاملات المدنية-. ولا تصح المقاصة القانونية في حالة اختلاف المحل، ويمكن إعمال المقاصة الاختيارية.
  3. صلاحية كل من الدينين للمطالبة به قضائيًا، فلا مقاصة بين التزام طبيعي ومدني.
  4. أن يكون كل من الدينين خاليًا من النزاع، بأن يكون: محققًا ومعلوم المقدار. كما يجب أن يكون النزاع جديًا. وإلا اعتبر أنه خالٍ من النزاع. والعبرة بواقع الحال لما يقدره قاضي الموضوع، لا بما يثيره المدين. ويكون الدين معلوم المقدار إذا كان يمكن تقديره بعملية حسابية بسيطة، أو كانت عناصر الدين ثابتة أمام المحكمة بمستندات أو إقرارات لا خلاف فيها. وإذا كان تقدير الدين يتطلب مسائل حسابية معقدة تتطلب اللجوء لأهل الخبرة، فإن الدين لا يكون معلوم المقدار. فلا تقع المقاصة إلا بعد الحكم في تقدير الدين.
  5. أن يكون كل دين مستحق الأداء. فالدين المضاف إلى أجل واقف لا تجوز فيه المقاصة ما لم يحل أجل الأداء. فيتلاقى مع الدين الآخر من هذا الوقت مع الدين الآخر المستحق وتقع المقاصة.

ويجوز التمسك بالمقاصة القانونية في أي حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام الاستئناف، خلافًا للمقاصة القضائية إذ لا يجوز أثارتها لأول مرة أمام الاستئناف.

  1. أن يكون كل من الدينين قابلًا للحجز. فإن كان الدائن ملتزمًا لمدينه بدين نفقة فليس له أن يوقع المقاصة بين هذا الدين ودين آخر له في ذمة مدينه، فلا يجوز الحجز على دين النفقة ومثلها: المعاش، وذلك لأن المقاصة تنطوي على وفاء جبري فتأخذ حكم الحجز.

ومتى توافرت الشروط السابقة وقعت المقاصة القانونية بقوة القانون منذ توافر شروطها، فينقضي الدينان بقدر الأقل منهما. وليس معنى ذلك تصدي المحكمة لذلك من تلقاء نفسها، بل لابد من تمسك من له مصلحة بإيقاعها بها. وعلى هذا يكون للخصم التمسك أمام المحكمة بالدفوع التي تحول دون إيقاع المقاصة مثل: انقضاء حق طالب المقاصة بالتقادم.

ثانيًا: المقاصة القضائية

يشترط لإجراء المقاصة القضائية -كما جرى عليه العمل في محكمة النقض-: (أن ترفع بشأنها دعوى أصلية أو أن تطلب في صورة عارض يقدمه المدعى عليه ردًا على دعوى خصمه الأصلية). جلسة 24/6/1971. سنة22 مدني.

وقد نص ديوان المظالم في مبادئه على أن: (إعمال الدائرة المقاصة القضائية بين الطرفين – أثر ذلك: إلزام المدعى عليها بدفع ما انتهت إليه الدائرة بعد إجراء المقاصة). الدائرة التجارية، في القضية رقم 1803 لعام 1432 المستأنفة بالقضية رقم 5729 لعام 1436.

ثالثًا: المقاصة الاتفاقية

قررت محكمة النقض المصرية أن المقاصة الاتفاقية تكون إذا: (اتفق دائن ومدين على أن يخصم للمدين بقدر ما يستحقه الدائن من مبالغ غير معينة المقدار). الطعن رقم 4402، لسنة 70ق.