المقاولة من الباطن في ضوء نظام المعاملات المدنية والقانون المدني المصري

المقاولة من الباطن في ضوء نظام المعاملات المدنية والقانون المدني المصري

أجازت القوانين المدنية مثل: القانون المدني المصري ونظام المعاملات المدنية أن يعهد المقاول بالأعمال التي عهد إليه تنفيذها في جملتها أو في جزء منها إلى مقاول آخر. وهو ما يعرف بعقد المقاولة من الباطن. وهو عقد يعهد بمقتضاه المقاول الذي طلب منه تنفيذ عمل إلى مقاول آخر من أجل تنفيذ هذا العمل كله أو جزء منه. فلا تكون للمقاولة صفة المقاولة إلا مع رب العمل، أما بالنسبة إلى من يتعامل معه (المقاول من الباطن) فهو رب العمل.

فقد نصت المادة (661) من القانون المدني المصري على أنه: (يجوز للمقاول أن يوكل تنفيذ العمل في جملته أو في جزء منه إلى مقاول من الباطن إذا لم يمنعه من ذلك شرط في العقد أو لم تكن طبيعة العمل تفترض الاعتماد على كفايته الشخصية. ولكنه يبقى في هذه الحالة مسؤولًا عن المقاول من الباطن قبل رب العمل).

وقد اقتبس النص السابق من المادة 364 فقرة 2 من تقنين الالتزامات السويسري. وإلى هذا الحكم اتجه نظام المعاملات المدنية، فقد نصت المادة (473) من النظام على أن: (1. للمقاول أن يسند تنفيذ العمل كله أو بعضه إلى مقاول من الباطن، ما لم تقتض النصوص النظامية أو الاتفاق أو طبيعة العمل خلاف ذلك. أو كانت شخصية المقاول محل اعتبار. 2. تبقى مسؤولية المقاول قائمة قِبَلَ صاحب العمل).

لم ينظم القانون المدني المصري أو نظام المعاملات المدنية مسألة (التنازل عن المقاولة)، ومن ثم يسري في شأنها القواعد العامة. غير أنه تم النص على أحكام (المقاولة من الباطن) لما لها من أهمية بالغة في الواقع العملي. فللمقاول الأصلي أن يعهد بالعمل لمقاول من الباطن لتنفيذ العمل في جملته أو في جزء منه، ما لم توجد احترازات حددتها القوانين.

شروط إباحة المقاولة من الباطن

نص القانون المدني المصري على:

  1. عدم وجود شرط في العقد يمنع المقاول من ذلك.

سواء كان الشرط صريحًا أو ضمنيًا. فإذا وجد الشرط تعين على المقاول الالتزام به، وإلا كان معرضًا للجزاء الذي تفرضه القواعد العامة. فإذا لم يوجد شرط مانع كان بإمكان المقاول أن يعهد إلى مقاول آخر من الباطن لتنفيذ التزامه، وكانت هذه المقاولة صحيحة ونافذة في حق رب العمل. وعادةً ما تكون المقاولة من الباطن في الأعمال الكبيرة التي تتعدد فيها الأعمال وتتشعب.

على أن إمكان وجود الشرط المانع في التعاقد بين رب العمل والمقاول لا يحد من استفادة المقاول من الآخرين في تنفيذ التزامه -فنيين كانوا أو غير فنيين- ما داموا غير مقاولين من الباطن، وكانوا مستخدمين عنده بعقد عمل، لا عقد مقاولة.

  1. ألا تكون طبيعة العمل تفترض الاعتماد على كفاية المقاول الشخصية

كما إذا كانت طبيعة المقاولة تستند إلى كفاية المقاول الشخصية، كما لو كان رسامًا أو طبيبًا أو مهندسًا فلا يجوز لأحد من هؤلاء أن يعهد بالعمل لغيره حتى لو لم ينص على ذلك -صراحةً- في عقد المقاولة على المنع من المقاولة من الباطن.

أما نظام المعاملات المدنية فقد أجاز المقاولة من الباطن، ما لم:

  1. تقتض النصوص النظامية أو الاتفاق أو طبيعة العمل خلاف ذلك.
  2. أو كانت شخصية المقاول محل اعتبار.

طبيعة العلاقة بين أطراف المقاولة من الباطن

أولًا: المقاول الأصلي والمقاول من الباطن

تكون العلاقة بينهما علاقة رب عمل بمقاول ينظمها عقد المقاولة من الباطن. فيلتزم المقاول الأصلي أولًا: بتمكين المقاول من الباطن من إنجاز العمل بأن يقدم له احتياجات العمل من مهمات وأدوات متى كان قد التزم بذلك، وأن يقدم له المواصفات والرسوم إذا كان العمل يتطلبها. فإذا أخل المقاول الأصلي بهذا كان للمقاول من الباطن الرجوع عليه بطلب التنفيذ العيني، كما يكون له طلب فسخ عقد المقاولة من الباطن مع التعويض في الحالتين إن كان له مقتضى.

ويلتزم المقاول الأصلي ثانيًا: بتسلم العمل بعد إتمامه. فإذا امتنع بعد إعذاره اعتبر   أنه قد تسلمه، ما لم يكن المقاول من الباطن قد خالف المواصفات الواردة في عقد المقاولة من الباطن أو الأصول الفنية. وأخيرًا: يلتزم المقاول الأصلي: بدفع الأجر للمقاول من الباطن. فإذا لم يحدد الأجر اتفاقًا تعين الرجوع لقيمة العمل.

وتكون التزامات المقاول من الباطن منحصرة في إنجاز العمل بالطريقة المتفق عليها وبالشروط الواردة في عقد المقاولة من الباطن. فإن خلا العقد من هذه الشروط وجب الرجوع إلى العرف الخاص بأصول الصناعة. وإن احتاج إلى أدوات ومهمات التزم بإحضارها على نفقته ما لم يتعهد المقاول الأصلي بإحضارها. وإن التزم المقاول من الباطن بإحضار المواد اللازمة لإتمام العمل كان ضامنًا لجودتها وضامنًا لعيوبها الخفية ما لم يكن عالمًا بهذه العيوب. أما إن قدم المقاول الأصلي هذه المواد تعين عليه الحفاظ عليها.

ثانيًا: المقاول الأصلي ورب العمل

يحكمها عقد المقاولة الأصلي. ولا علاقة لرب العمل بعقد المقاولة من الباطن. وإن كان يجوز للمقاول من الباطن الرجوع بالأجر على صاحب العمل، وفق الإيضاح في البند الثالث.

ويلتزم رب العمل نحو المقاول الأصلي بتمكينه من إنجاز العم، كما يلتزم بتسلم العمل وتقبله من المقاول الأصلي لا المقاول من الباطن، ويدفع الأجر للمقاول الأصلي ما لم يرجع عليه المقاول من الباطن بالأجر.

ويظل المقاول الأصلي ملتزمًا تجاه رب العمل بإنجاز العمل في الموعد المتفق عليه وتسليمه بالشروط الواردة في العقد بينهما.

ثالثًا: العلاقة بين رب العمل والمقاول من الباطن.

فالأصل فيها أنها غير موجودة، إذ تنحصر العلاقة بين المقاول الأصلي ورب العمل ولا وجود لعلاقة مباشرة بين المقاول من الباطن ورب العمل. بكن تنشأ علاقة غير مباشرة بينهما أساسها علاقة كلٍ منهما بالمقاول الأصلي، فيلجأ كل واحد منهما إلى الدعوى غير المباشرة يرفعها باسم مدينه المقاول الأصلي للمطالبة بالحقوق التي لهذا المقاول لدى الآخر. وعن طريقها يطلب رب العمل من المقاول من الباطن إنجاز العمل. وبتسليمه إياه. وبالضمان. كما يكون للمقاول من الباطن أن يطلب من رب العمل تمكينه من أداء العمل وتسلمه إياه وتقبله مستعملًا حق مدينه المقاول الأصلي. بالإضافة إلى إمكان المقاول من الباطن مطالبة رب العمل بدفع الأجر.

فقد نصت المادة (662) من القانون المدني المصري على أن: (يكون للمقاولين من الباطن وللعمال الذين يشتغلون لحساب المقاول في تنفيذ العمل حق مطالبة رب العمل مباشرةً بما لا يجاوز القدر الذي يكون مدينًا به للمقاول الأصلي وقت رفع الدعوى. ويكون لعمال المقاولين من الباطن مثل هذا الحق قبل كل من المقاول الأصلي ورب العمل).

أما نظام المعاملات المدنية فقد أفرد حكمًا مختلفًا فنصت المادة (474) من النظام على أنه: (لا يجوز للمقاول من الباطن أن يطالب لنفسه صاحب العمل بشيء مما يستحقه المقاول إلا إذا أحاله على صاحب العمل). فقد حدد النظام أبعاد العلاقة بين المقاول من الباطن ورب العمل فيما يكون للمقاول الأصلي قبل صاحب العمل بإحالة المقاول الأصلي له لرب العمل، خلافًا للقانون المدني المصري الذي لم يوقف حق المقاول من الباطن على إجازة المقاول الأصلي.