الوصية المستترة في ضوء القانون المدني المصري ونظام المعاملات المدنية

الوصية المستترة

الأصل في المعاملات أن تعبر عن حقيقة ما تم لا أن تظهر بصورة مختلفة عن تلك المراد إجراؤها. فإذا عقد شخصان اتفاقًا يتضمن نقل ملكية شيء من أحدهما إلى الآخر فالأصل أن يعبر عقد البيع عن هذه المعاملة وأن يجري دفع مقابل البيع من المشتري إلى البائع. لكن الواقع العملي يشهد بعدم سريان الأمور على هذا النحو. فقد يتفق على إجراء معاملة تختلف في حقيقتها عن ما تم إظهاره أمام الناس، كأن يقوم الأب ببيع شيء إلى أحد أولاده ويحتفظ بملكية الشيء المباع طوال حياته. في هذه الفرضية قصد الوالد بذلك إفراغ تصرف مضاف إلى ما بعد الموت (الوصية) في صورة بيع. ونظرًا لتعلق هذه الفرضية بحقوق الغير فقد أوجدت القوانين المدنية مثل: القانون المدني المصري ونظام المعاملات المدنية في المملكة العربية السعودية حكمًا خاصًا بها. كما قررت الشريعة الإسلامية حكمًا لها.

جاء في إعلام الموقعين: (من الحيل الباطلة إذا أراد أن يخص بعض ورثته ببعض الميراث وقد علم أن الوصية لا تجوز وأن العطية في مرضه وصية أن يقول: كنت وهبت له كذا وكذا في صحتي، أو يقر له بدين فيتقدم به وهذا باطل. والإقرار في مرض الموت لا يصح للتهمة عند الجمهور، بل مالك يرد للأجنبي إذا ظهرت التهمة وقوله هو الصحيح).

الوصية المستترة

نصت عليها المادة (917) من القانون المدني المصري بقولها: (إذا تصرف شخص لأحد ورثته واحتفظ بأية طريقة كانت بحيازة العين التي تصرف فيها وبحقه في الانتفاع مدى حياته اعتبر التصرف مضافًا إلى ما بعد الموت فتسري عليه أحكام الوصية ما لم يقم دليل يخالف ذلك). وعلى ذلك نصت المادة (648) من نظام المعاملات المدنية بقولها: (إذا تصرف شخص لأحد ورثته واحتفظ بحيازة الشيء الذي تصرف فيه وبحق الانتفاع به مدى حياته عد التصرف مضافًا إلى ما بعد الموت وتسري عليه أحكام الوصية ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك).

لقد اتبع القانون المدني المصري ونظام المعاملات المدنية أحكام الشريعة الإسلامية في عدم نفاذ الوصية إلا في ثلث التركة وفرعت على ذلك مسائل منها: ستر المورث الوصية في شكل قانوني يحولها إلى وصية لا تنفذ إلا في حدود ثلث التركة متى قام على ذلك قرينة.

قرينة الوصية المستترة

القرينة قد تكون قانونية، أي: يتضمنها نص في القانون، وقد تكون قضائية يستخلصها قاضي الموضوع من ملابسات النزاع. وغالبًا ما تكون بسيطة، أي: قابلة لإثبات العكس. ومثل ذلك القرينة الواردة في المواد 917 و648 من القانون المدني المصري ونظام المعاملات المدنية. فلم تتضمن هذه المواد قواعد قانونية بل قرينة قانونية بسيطة، إذا ما توافرت بإثبات المتمسك لها عناصرها أدى ذلك إلى إعفائه من إثبات ما تدل عليه القرينة وانتقل إلى خصمه عبء إثبات ما يخالف ما دلت عليه القرينة.

ومفاد هذه القرينة -على النحو السالف ذكره- أن يطعن الوارث في تصرف مورثه بستره لوصية ويتمسك بما نص عليه آنفًا، وهو:

(التصرف لأحد الورثة واحتفاظه بأية طريقة كانت بحيازة العين التي تصرف فيها/ وبحقه في الانتفاع مدى حياته)

تعين عليه في هذه الحالة إثبات عناصر تلك القرينة، فيثبت أن مورثه احتفظ بحيازة العين التي تصرف فيها كما احتفظ بحقه في الانتفاع بها مدى حياته، ومتى تمكن من ذلك اعتبر تصرف مورثه ساترًا لوصية ولا يكلف بإثبات ذلك لأن القرينة هي التي دلت على حقيقة التصرف. ونظرًا لأن القرينة بسيطة كان للمتصرف إليه إثبات ما يخالفها وأن التصرف تم منجزًا وليس مضافًا إلى ما بعد الموت، فإن تمكن من ذلك تعين القضاء برفض الدعوى. وإن لم يتمكن ارتد التصرف إلى حقيقته وخضع لأحكام الوصية.

شروط قرينة الوصية المستترة

قضت محكمة النقض المصرية -أن المقرر في قضاء هذه المحكمة- أن مفاد نص المادة 917 من القانون المدني أن: القرينة القانونية المنصوص عليها لا تقوم إلا باجتماع شرطين هما: احتفاظ المتصرف بحيازة العين المتصرف فيها واحتفاظه بحقه في الانتفاع بها على أن يكون احتفاظه بالأمرين مدى حياته.

ولا يكفي لقيام هذه القرينة أن ينتفع المتصرف بالعين انتفاعًا فعليًا حتى وفاته، دون أن يكون مستندًا في هذا الانتفاع إلى مركز قانوني يخوله حقًا يتأتى تجريده منه. نقض 2/4/1985. طعن 1901. س51 ق.

كما قررت أنه لقاضي الموضوع سلطة التحقق من توافر الشرطين للتعرف على حقيقة العقد المتنازع عليه، والتحري عن قصد المتصرف من تصرفه، وذلك في ضوء ظروف الدعوى التي أحاطت به ما دام قد برر قوله في هذا الخصوص بما يؤدي إليه. نقض 17/12/1973. طعن 8. س38 ق.

أولًا: حيازة العين مدى الحياة

ويقصد بهذا الشرط أن يحتفظ المتصرف بأية طريقة كانت بحيازة العين التي تصرف فيها مدى حياته، وأن تكون حيازته لها حيازة أصلية لحساب نفسه، ولا يشترط أن تكون حيازة مادية بوضع يده بنفسه على العين، وإنما تكفي الحيازة القانونية بعنصرها المعنوي، ولو كانت الحيازة المادية للغير كالمستأجر.

ثانيًا: الانتفاع بالعين مدى الحياة

يجب لتحقق قرينة المادة 917 من القانون المدني المصري أولًا حيازة العين مدى الحياة -كما أسلفنا-، وثانيًا: الانتفاع بها مدى الحياة. أي: أن يظل المتصرف منتفعًا بالعين التي أجرى عليها التصرف القانوني ببيع أو هبةٍ ونحوه مدى حياته وأن يستند في ذلك إلى حقٍ لا يستطيع المتصرف إليه حرمانه منه. وتستخلص المحكمة توافر هذا لحق بتوافر شرطي تلك القرنية. باعتبار أن الوصية تصرف مضاف إلى ما بعد الموت مما يحول دون المتصرف إليه ومطالبة الموصي بتنفيذ الوصية بنقل ملكية الشيء الموصى به إليه وإلا كان مصير هذا الطلب الرفض. وبذلك يكون الموصي مستندًا في انتفاعه بالعين إلى حقٍ لا يستطيع المتصرف إليه حرمانه منه وهو ما يظهر حقيقة المعاملة وهو سترها لوصية لا معاملة مكتملة الأركان.

وقد قضت محكمة النقض المصرية أن: (المقصود بالانتفاع وفقًا للمادة 917 من القانون المدني هو أن يكون انتفاع المتصرف بالعين مدى حياته مستندًا إلى حقٍ ثابت لا يستطيع المتصرف إليه تجريده منه ويكون ذلك إما عن طريق اشتراطه حق المنفعة، وعدم جواز التصرف في العين وإما عن طريق الإيجار مدى الحياة أو عن طريق آخر مماثل، ومن ثم فلا يكفي لقيام القرينة أن يحتفظ المتصرف بالحيازة والانتفاع لحساب الغير ولو كان ذلك لمدى حياة المتصرف، إذ يكون الحق في الانتفاع في هذه الحالة مقررًا لهذا الغير، كما لا يكفي أن يمتنع المتصرف بالعين انتفاعًا فعليًا حتى وفاته دون أن يكون مستندًا في هذا الانتفاع إلى مركز قانوني يخوله حقًا في الانتفاع). نقض 25/2/1963. الطعنان 459،471، س26 ق.

ومتى توافر الشرطان اعتبر التصرف مضافًا إلى ما بعد الموت وتسري عليه أحكام الوصية. وتستخلصهما المحكمة من الأدلة المطروحة عليها، سواء تمثلت في أقوال شهود أو مستندات. ولا تعول في ذلك على بنود العقد إذ أنه طالما كان محلًا للطعن بالصورية، فلا تستمد تلك الصورية إثباتًا أو نفيًا من بنوده. فقد تتضمن ما يفيد تنجيزه ومع ذلك تقضي المحكمة بصوريته، ولا تكون بذلك قد خالفت الأوراق، كما قررت محكمة النقض.