بإمكان الالتزام أن ينتقل من دائن إلى آخر بجميع مقوماته وخصائصه من صفات وضمانات ودفوع. ويعرف هذا في القانون باسم الحوالة ويهمنا هنا تحديدًا (حوالة الحق) التي ترد على الحقوق الشخصية دون العينية. وفيها يتفق الدائن مع أجنبي على أن يحول له حقه الذي في ذمة المدين، فيحل الأجنبي محل الدائن في هذا الحق نفسه بجميع مقوماته. وفي هذه الحوالة يسمى (الدائن) (محيلًا) لأنه يحيل الأجنبي بالحق الذي له على المدين. ويسمى (الأجنبي) (محالًا له) لأن الدائن أحاله بحقه. ويسمى (المدين) (محالًا عليه) لأن الدائن الأصلي أحال عليه الدين الجديد.
فقد نصت المادة (303) من القانون المدني المصري والمادة (238) من نظام المعاملات المدنية على أنه: (للدائن أن يحيل حقه إلى شخص آخر، وذلك ما لم تقتضِ النصوص النظامية أو الاتفاق أو طبيعة الالتزام خلاف ذلك، ولا يشترط لانعقاد الحوالة رضى المدين بها). كما نصت المادة التالية لها على أنه: (لا تجوز حوالة الحق إلا بمقدار ما يكون منه قابلًا للحجز).
فحوالة الحق لا تُنشأ التزامًا جديدًا في ذمة المدين، وإنما تنقل الالتزام الثابت أصلًا في ذمته من الدائن إلى دائن آخر باعتبار هذا الالتزام حقًا للدائن المحيل وينتقل بها الالتزام ذاته بجميع مقوماته وخصائصه وينبني على ذلك أن يظل الالتزام بعد حوالته محكومًا بذات القانون الذي نشأ في ظله من حيث طبيعته وصفته وإثباته وقابليته للحوالة والشروط اللازمة لذلك. فإذا صدر قانون يغير من هذه الأحكام فلا يسري على هذا الالتزام إلا في نطاق ما يستحدثه من قواعد آمرة تتصل بالنظام العام. وفق ما قررته محكمة النقض المصرية في هذا الشأن. (نقض 23/12/1967).
وقد عرفت مجلة الأحكام العدلية الحوالة أنها: (نقل الدين من ذمة إلى أخرى). (م/673). ونصت على أنه: (لو قال المحيل لدائنه أحلتك على فلان وقبل المحال له والمحال عليه تنعقد الحوالة). كما عرفتها هيئة التدقيق في ديوان المظالم (حكم التدقيق رقم 2/ت/1 لعام 1423 في القضية رقم 128 لعام 1422، الدائرة الإدارية) أنها: (انتقال مال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه بحيث لا رجوع للمحال على المحيل بحال إذا اجتمعت شروطها). وأنه ويشترط لصحتها شروط منها:
1- تماثل الحقين في الجنس والصفة والحلول والتأجيل.
2-أن تكون على دين مستقر.
3- أن تكون بمال معلوم.
4- أن يحيل برضاه).
وقرر الفقهاء أنه يشترط لصحة الحوالة رضا المحيل، وعلم المال المحال به، وتماثل الدينين، وأن يكون الدين المحال عليه مستقرا بذمة المحال عليه. وهذا ما قررته الدائرة التجارية /المستأنفة في ديوان المظالم في (القضية رقم 1781 لعام 1428/ القضية رقم 3339 لعام 1432).
أركان حوالة الحق
حوالة الحق هي اتفاق بين المحيل والمحال له على تحويل حق المحيل الموجود في ذمة مدين المحيل إليه، فأركان هذه الحوالة أركان أي اتفاق يتم بين طرفين، وأركان الاتفاق هي أركان العقد، فتكون أركان حوالة الحق هي الرضا والمحل والسبب.
أولًا: الرضا.
لابد أن يصدر ممن له أهلية حسب العقد الذي تنطوي عليه الحوالة. وأن يكون خاليًا من عيوب الإرادة من غلط وتدليس وإكراه واستغلال. وقد نصت المادة (303) من القانون المدني وكذا نص نظام المعاملات المدنية على أن: (تتم الحوالة دون حاجة إلى رضاء المدين). كما نصت المادة (305) من القانون المدني وكذا نص نظام المعاملات المدنية على أن: (لا تكون الحوالة نافذة قبل المدين أو قبل الغير إلا إذا قبلها المدين أو أعلن بها. على أن نفاذها قبل الغير بقبول المدين يستلزم أن يكون هذا القبول ثابت التاريخ). ويتبين من هذه النصوص أن الحوالة تتم بتراضي المحيل والمحيل له دون حاجة إلى رضاء المدين (المحال عليه). ولكن لا تنفذ في حق المحال عليه إلا إذا قبلها أو أعلن بها، ولا في حق الغير إلا من تاريخ إعلان المحال عليه أو من التاريخ الثابت لقبوله.
ثانيًا: المحل.
تكون حوالة الحق في الحقوق الشخصية -أيًا كان محلها- دون الحقوق العينية التي تتنقل بالتسجيل. فالحق الشخصي ينشئ علاقة دائنية ترتب حقًا للدائن في ذمة المدين ويكون هذا الحق هو محل الحوالة. وأهم فرق بين الحق العيني والحق الشخصي في هذا الصدد أن الحق العيني لا يتعلق بذمة مدين معين بالذات، ومن ثم ينقل وينفذ بالاتفاق بين صاحب الحق ومن يتعاقد معه. أما النفاذ في حق الغير فلا يكون ذلك بإعلان الاتفاق إلى مدين معين -كما هو الشأن في حوالة الحق- ولكن بإجراءات أخرى.
والأصل في حوالة الحق أن ترد على جميع الحقوق أيًا كان محلها وفق ما قررته المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري. ولكن الغالب في حوالة الحق أن ترد على حق اقتضاء مبلغ من النقود. وليس هناك ما يحول دون ورودها على حق استيفاء عمل من الأعمال (التزام بعمل) كاستيفاء منفعة العين المؤجرة بمقتضى حق المستأجر قبل المؤجر، فمثل هذا الحق ينتقل بطريق حوالة الإجارة. ويستوي في الحق في القابلية للحوالة أن يكون الحق مدنيًا أو تجاريًا. كما يستوي أن يكون الحق محل الحوالة منجزًا أو مقترنًا بأجل أو معلقًا على شرط كتنازل السمسار عن حقه إذا تمت الصفقة. ولا يشترط أن يكون الحق مدونًا فتجوز حوالة الحقوق التي لا دليل عليها إلا البينة، كما تجوز حوالة الحق في المستقبل. وتجوز حوالة الأوراق التجارية من كمبيالات وسندات وشيكات وحوالة الأسهم والسندات.
وإن كان الأصل في الحقوق جواز الحوالة إلا أن هذا الأصل لا يجري على إطلاقه، بل ترد عليه استثناءات ثلاث، يكون فيها الحق الشخصي غير قابل للحوالة. أولًا: اتفاق الدائن والمدين على عدم جواز حوالة الحق. فيتقيد الدائن في هذه الحالة باتفاقه. ثانيًا: امتناع الحوالة دون الحاجة إلى اتفاق خاص إذا كان الحق منافيًا بطبعه لفكرة إبدال الدائن مثل: الالتزامات التي يكون فيها لشخصية المتعاقد الاعتبار. مثل: النفقة، وطلب التعويض عن الضرر الأدبي ما لم يتحدد، وحق المستعير في استعمال الشيء. وحوالة الحق ليست من النظام العام؛ لذا فإن الاتفاق على عدم قابلية الحق للحوالة جائز كما قرر القضاء المصري بهذا الصدد. ثالثًا: منع القانون لحوالة الحق. مثل: الحقوق غير القابلة للحجز. فحيث لا يكون الحق قابلًا للحجز يمتنع التصرف فيه. وإن كان الحق غير قابل للحجز في شق منه فحسب لا تمتنع حوالته إلا في هذا الشق.
ثالثًا: السبب.
يقصد بالسبب في الحوالة: الباعث الذي دفع المحيل والمحال له إلى إبرامها. ويشترط في سبب الحوالة ما يشترط في السبب في العقد. وإليه نحيل.
العدول عن اتفاق حوالة الحق
تعتبر حوالة الحق بمثابة اتفاق ملزم لأطرافه لا يجوز تعديله إلا بالاتفاق. فقد قررت محكمة النقض المصرية أنه: (لما كان العقد شريعة المتعاقدين، ولا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون، وكانت الحوالة عقدًا ملزمًا للمحيل والمحال إليه كليهما فلا يجوز لأحدهما العدول عنه بإرادته المنفردة (نقض 9/2/1983).