عقد الكفالة في ضوء القانون المدني المصري ونظام المعاملات المدنية

عقد الكفالة في ضوء القانون المدني المصري ونظام المعاملات المدنية

عقد الكفالة من العقود المدنية المسماة التي نظمت أحكامها القوانين المدنية مثل: القانون المدني المصري ونظام المعاملات المدنية. كما نظمت الشريعة الإسلامية أحكامه. فقد عرفها البهوتي -بأنها: (التزام رشيد إحضار من عليه حق مالي لربه). وورد عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- قوله: (الكفيل غارم).

وتستعمل كلمة كفالة في معنيين مختلفين: فقد يقصد ما يودعه بعض الأشخاص من نقود أو سندات بحسب القانون أو الاتفاق ضمانًا لما قد ينجم عن أعمالهم من أخطاء، كالتأمين الذي يودعه الصيارف ومن يرسو عليه المزاد فكل هذا يعد من قبيل الرهن الحيازي. وليس هذا هو المراد هنا.

فالمراد بمصطلح الكفالة أن يتعهد شخص لأحد العاقدين بوفاء ما تعهد به المتعاقد الآخر. وهذا هو عقد الكفالة الذي نصت عليه المادة (772) من القانون المدني المصري، و(578) من نظام المعاملات المدنية. وورد في أحكام القضاء على هذا النحو. فعرفته الدائرة الإدارية /المستأنفة بديوان المظالم بالقضية رقم 14187 لعام 1440 في القضية رقم 9224 لعام 1440 بأنه: (عقد بمقتضاه يلتزم الكفيل الوفاء بدين للدائن في ذمة المدين إذا لم يوف هذا الأخير). وقد أوردت المذكرة الإيضاحية للقانون المدني تعريف لعقد الكفالة ذكرت أنه يفضل عما ورد في التقنين المصري والتقنينات الأخرى وهو للأستاذ بودري يقول فيه الكفالة: (عقد بمقتضاه يكفل شخص من الغير تنفيذ التزام بأن يعهد بالوفاء إذا لم يقم به المدين نفسه على أن يحفظ بحق الرجوع على هذا المدين).

تعريف عقد الكفالة

هو: (عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه). وهو عقد يصح أن يكون منجزًا أو معلقًا على شرط أو مؤقتًا أو مضافًا إلى أجل. كما قررت المادة (582) من نظام المعاملات المدنية.

وهو من العقود الرضائية الملزمة لطرف واحد وهو الكفيل فلا يشترط فيها سوى أن يكون رضاء الكفيل صريحًا. والأصل فيه أنه من عقود التبرع. يميزه عن غيره عنصر التبعية. فعقد الكفالة عقد تابع للالتزام المكفول الأصلي، ويترتب على هذا أن الكفالة تتأثر بما يتأثر به العقد الأصلي، وألا تكون شروطها أشد من العقد الأصلي. فقد نصت المواد (780) من القانون المدني المصري و (584) من نظام المعاملات المدنية على أنه: (لا تجوز الكفالة في مبلغ أكبر مما هو مستحق على المدين، ولا بشرط أشد من شروط الدين المكفول). فهناك ارتباط بين صحة الكفالة وصحة الالتزام الأصلي.

ارتباط صحة الكفالة بصحة الالتزام المكفول

نصت المادة (776) من القانون المدني المصري، و(581) من نظام المعاملات المدنية على أن: (الكفالة لا تكون صحيحة إلا إذا كان الالتزام المكفول صحيحًا). فيجب لقيام الكفالة وجود التزام، ولا تكون صحيحة إلا إذا كان هذا الالتزام صحيحًا. فإن بطل الالتزام لتخلف الشكل أو السبب أو لمخالفته للنظام العام أو الآداب وقعت كفالته باطلة. وإن كان الالتزام قابلًا للإبطال كانت كفالته قابلة للإبطال وجاز للكفيل التمسك بهذا الدفع.

محل الكفالة

ترد الكفالة على ضمان الكفيل تنفيذ الالتزام المكفول، سواء تعلق بالقيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل، أو بدفع مبلغ من النقود. فلم تقصر القوانين المدنية محل الكفالة على التزام محدد دون غيره. ولذلك يضمن الكفيل -بموجب عقد الكفالة- للدائن أن المدين سيقوم بتنفيذ التزامه الذي تضمنه العقد المبرم بين الدائن والمدين، أيًا ما كانت طبيعة هذا الالتزام، بحيث إذا أخل المدين به، التزم الكفيل بالتنفيذ الذي كان على المدين القيام به، فإذا تعلق الوفاء بمبلغ نقدي كان على الكفيل أداؤه، ولذا يجوز للدائن تنفيذ هذا الالتزام جبرًا على الكفيل باستصدار سند تنفيذي واتخاذ إجراءات الحجز على أمواله، وهو ما كان يجوز بالنسبة للمدين.

ما يشترط في الكفيل

يشترط أن يكون الكفيل كامل الأهلية. وفق نص المادة (580) من نظام المعاملات المدنية. وقد يكون الكفيل شخصيًا أو عينيًا. فالكفيل الشخصي هو من يضمن تنفيذ التزام المدين. وبموجب هذا ينشأ التزام شخصي ترتبه الكفالة في ذمة الكفيل بحيث إذا أخل به جاز للدائن استصدار حكم ضده ينفذ بمقتضاه على أموال الكفيل العارية والمنقولة على حدٍ سواء. وفي هذا تقول محكمة النقض المصرية: (النص في المادة 772 من القانون المدني على أن الكفالة عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه. ويدل على أن الكفالة ترتب التزامًا شخصيًا في ذمة الكفيل مما مؤداه أن التزام الكفيل لا ينقضي بموته وإنما يبقى هذا الالتزام في تركته وينتقل إلى ورثته.

ولم تسر نفس القاعدة على الورثة في نظام المعاملات المدنية. فقد خصصت المادة (850) من النظام الكفالة من مريض مرض الموت أنها لا تنفذ في حق الورثة فيما زاد على (الثلث) إلا بإجازتهم. وإذا كانت الكفالة لوارث أو عنه لم تنفذ في حق باقي الورثة ولو فيما دون (الثلث) إلا بإجازتهم.

أما الكفيل العيني فهو الذي يقدم عينًا معينة بالذات تكون ضامنةً لتنفيذ التزامه إذا ما أخل المدين بتنفيذ التزامه فلا يتعدى الضمان تلك العين حتى لو لم يتمكن الدائن من اقتضاء حقه كاملًا بعد التنفيذ عليها، وهو ما يحول دونه والتنفيذ على باقي أموال الكفيل.

انعقاد عقد الكفالة بدون علم المدين ورغم معارضته

نصت المواد (775) من القانون المدني المصري، و(579) من نظام المعاملات المدنية على أنه: (تجوز كفالة المدين بغير علمه، فلا يتوقف انعقاد الكفالة على قبول المدين. وتجوز أيضًا رغم معارضته).

فيبرم عقد الكفالة بين الدائن والكفيل وليس المدين طرفًا فيه. لذا ليست حاجة لموافقته عليها ولا يترتب على اعتراضه أثر. وإن كان الغالب أن تتم الكفالة بأن يوقع الكفيل بهذه الصفة على سند المديونية ومن ثم فإذا وفى الدين رجع على المدين بدعوى الوكالة باعتبار أن المدين وكله في الوفاء وكالة ضمنية مستخلصة من هذا التوقيع. فإن تمت الكفالة بغير علم المدين أو رغم معارضته، رجع الكفيل عليه بدعوى الحلول.

ويدل نص المواد السابقة على أن عدم علم المدين أو معارضته لا تأثير له على آثار الكفالة وطبيعتها، فتظل رغم ذلك تابعة لالتزام المدين، تدور معه وجودًا وعدمًا. بحيث إذا انقضى التزام المدين بأي سبب من أسباب الانقضاء تبعه في الانقضاء التزام الكفيل. وبالتالي يجوز للكفيل أن يحتج على الدائن بكافة الدفوع المتعلقة بالدين المكفول. كانقضائه بالوفاء أو الإبراء أو التجديد أو التقادم. ولا ينال من تمسك الكفيل بتقادم التزام المدين، أن يكون هذا التقادم قد انقطع بالنسبة للكفيل، لأن الكفيل ليس مدينًا وإنما ضامنًا للوفاء بدين يجوز إجبار المدين على الوفاء به، فإن لم يتمسك الكفيل بالتقادم وقام بالوفاء فإنه يكون قد وفى التزامًا طبيعيًا ما كان يجبر المدين عليه لو كان قد اختصم وتمسك بالتقادم.

ويجب في الكفالة أن يتوافر رضاء الدائن والكفيل فلا يكفي رضاء الكفيل وحده حتى لو كان متبرعًا. فالهبة لا تنجز إلا برضاء الموهوب له. كما يجب أن يكون رضاء الكفيل واضحًا لا لبس فيه، بأن يوقع على سند المديونية أو يرسل للدائن خطابًا يقرر فيه كفالته لدين المدين ويحدده له.