عقد المقاولة والتزامات المقاول في ضوء نظام المعاملات المدنية والقانون المدني المصري

عقد المقاولة والتزامات المقاول في ضوء نظام المعاملات المدنية والقانون المدني المصري

عقد المقاولة من العقود الواردة على العمل. وهو من العقود المسماة التي نظمت أحكامها القوانين المدنية مثل: نظام المعاملات المدنية في المملكة العربية السعودية والقانون المدني المصري. كما نظمت أحكامه الشريعة الإسلامية في عقود مقاربة لهذا العقد وفق التنظيم الحالي له مثل: عقد الاستصناع وعقد الإجارة على العمل. فعرفت المادة (124) من مجلة الأحكام العدلية عقد الاستصناع بأنه: (عقد مقاولة مع أهل الصنعة على أن يعملوا شيئًا فالعامل صانع، والمشتري مستصنع، والشيء مصنوع).

تعريف عقد المقاولة

عرفت المادة (646) من القانون المدني المصري عقد المقاولة بأنه: (عقد يلتزم بمقتضاه المقاول بصنع شيء أو أداء عمل مقابل أجر). وزاد نص المادة (461) من نظام المعاملات المدنية على هذا التعريف اشتراط أن: (لا يكون المقاول تابعًا لصاحب العمل ولا نائبًا عنه).

وهو من العقود الرضائية الملزمة للجانبين التي لا يشترط في انعقادها شكل معين. كما أنه من عقود المعاوضة. ويقع عنصر التراضي فيه على أمرين: الشيء المطلوب صنعه أو العمل المطلوب تأديته من المقاول وهو أحد المتعاقدين. والأجر الذي يتعهد به رب العمل وهو المتعاقد الآخر.

ويميز عقد المقاولة عن عقد العمل فارق وحيد ذكرته محكمة النقض المصرية هو وجود حق الإدارة والإشراف في العقد الأول وانعدامه في العقد الثاني. (جلسة 31/3/1962، مجموعة المكتب الفني، السنة13، مدني، س324). كما يميزه عن عقد الوكالة ورود عقد الوكالة على التصرفات القانونية خلافًا لعقد المقاولة الذي يرد دائمًا على الأعمال المادية. كما أن المقاول وهو يؤدي العمل المادي لا يعتبر نائبًا عن صاحب العمل أو تابعًا له وإنما يعمل مستقلًا.

ويصح أن يكون التزام المقاول بتنفيذ العمل بمواد من عنده أو من عند صاحب العمل. وفق نص المادة (462) من نظام المعاملات المدنية. ويختلف مناط مسؤولية المقاول بحسب هذا. وهو ما يتطلب بيان التزامات المقاول في ضوء هذا التمهيد بشيء من البيان.

التزامات المقاول

أ. التعهد بتقديم عمل على أن يقدم رب العمل المادة / أو التعهد بتقديم العمل والمادة معًا

وعلى هذا الحكم نصت المادة (647) من القانون المدني المصري. والمادة (462) من نظام المعاملات المدنية. فيجب على المقاول أن يقوم بتنفيذ العمل الذي عهد به إليه وفقًا لشروط العقد. ويجوز أن يتفق على أداء العمل مع التعهد بتقديم المادة من عنده أو أن يقدم رب العمل المادة.

فإن لم يكن ثمة شروط وجب اتباع العرف. كما يجب عليه تسليم الشيء لرب العمل عند الانتهاء منه. فإن لم ينفذ المقاول ما عهد به إليه من عمل لم يكن بإمكانه التخلص من المسؤولية إلا بإثبات وجود سبب أجنبي منعه عن أداء الالتزام المترتب في حقه. فلا يجديه أن يثبت أنه قد بذل ما في وسعه لتنفيذ التزامه ما دامت الغاية لم تتحقق، كما نصت محكمة النقض المصرية. (نقض 28/12/1967، س18، ص1916).

ب. المسؤولية عن جودة وضمان مادة العمل إن تعهد المقاول لصاحب العمل بتقديمها

وعلى هذا نصت المادة (648) من القانون المدني المصري. أما المادة (463) من نظام المعاملات المدنية فقد نصت على أنه: (إذا اشترط صاحب العمل أن يقدم المقاول المواد كلها أو بعضها، كان المقاول مسؤولًا عن توافر الشروط والمواصفات المتفق عليها إن وجدت. وإلا التزم بأن تكون وافيةً للغرض المقصود وفقًا للعرف).

فإذا قدم المقاول المادة فإن العقد يكون مزيجًا من عقدي البيع والمقاولة. فتقع المقاولة على العمل وتسري عليه أحكامها. كما يقع البيع على المادة وتسري عليه أحكامها. وعلى هذا نصت المواد السابقة. فيضمن المقاول توافر الشروط والمواصفات المتفق عليها إن وجدت. وإلا التزم بأن تكون وافيةً للغرض المقصود وفقًا للعرف، وفقًا لنص نظام المعاملات المدنية. أو كان مسؤولًا عن جودتها وعليه ضمانها وفق نص القانون المدني المصري.

ويكون البيع هنا معلقًا على شرط واقف وهو تمام صنع المادة. فمتى صنعت أصبح البيع باتًا فتنتقل الملكية إلى رب العمل ولو قبل التسليم، ويضمن المقاول العيوب الخفية. أما قبل تحقق الشرط فتبقى المادة ملكًا للمقاول. وتسري من الالتزام بضمان العيوب الخفية الأحكام الملائمة لعقد الاستصناع. فيلتزم المقاول إذا لم تتوافر في المادة الصفات التي كفل لرب العمل وجودها فيها، أو كان بالمادة عيب ينقص من قيمتها أو من نفعها بضمان هذا العيب ولو لم يكن عالمًا بوجوده. وهذا هو الاتجاه الملائم لنص نظام المعاملات المدنية. على أن لا يضمن المقاول العيوب التي كان يعلمها رب العمل وقت تمام صنع الشيء، أو كان يستطيع أن يتبينها بنفسه لو أنه فحص الشيء بعناية الرجل المعتاد.

وإذا تسلم رب العمل الشيء واكتشف عيبًا يضمنه المقاول وجب عليه إخطاره في مدة معقولة وإلا اعتبر قابلًا للشيء بما فيه من عيب. وإذا أخطر رب العمل المقاول بالعيب في الوقت الملائم كان له أن يرجع بالضمان على المقاول. وإذا لم يتفق الطرفان على جودة المادة وجب الرجوع إلى العرف أو لظروف التعاقد، فإن لم يوجد تعين أن تكون المادة من درجة المتوسط وفق نصوص المواد السابقة ونص المادة (133) من القانون المدني المصري.

ج. الحرص على المادة إن قدمها صاحب العمل

إن قدم رب العمل إلى المقاول المادة وجب على المقاول في هذه الحالة أن يحرص عليها، وأن يحافظ عليها ويبذل في ذلك عناية الشخص العادي. فإذا نزل عن هذا القدر كان مسؤولًا عن هلاكها أو تلفها أو ضياعها أو سرقتها. وإذا احتاج الحفظ إلى نفقات تحملها المقاول. ويكون عبء إثبات إهمال المقاول وأنه لم يبذل في حفظ الشيء عناية الشخص العادي وتسببه في هلاك المادة أو تلفها على رب العمل لأن مسؤولية المقاول عقدية. وللمقاول درء ذلك بإثبات قيامه ببذل جهد الرجل العادي.

كما يلتزم المقاول أن يراعي أصول الفن في استخدامه للمادة التي قدمها رب العمل، وأن يؤدي حسابًا لرب العمل عما استعملها فيه ويرد إليه ما بقي منها. فإذا صار شيء من هذه المادة غير صالح للاستعمال بسبب إهماله أو قصور كفايته الفنية التزم برد قيمة هذا الشيء لرب العمل. ويسري في هذه الحالة ما تم إيضاحه مسبقًا من الكلام عن إهمال المقاول، فيتحمل رب العمل إثبات أن المقاول تسبب بقصور كفايته الفنية في جعل المادة غير صالحة للاستعمال. وللمقاول درء المسؤولية بإثبات قيامه بالعمل وفقًا للأصول الفنية أو أن ذلك يرجع إلى سبب أجنبي.

ويكون على المقاول أن يأتي بما يحتاج إليه في إنجاز العمل من أدوات ومهمات إضافية ويكون ذلك على نفقته. ما لم يقض الاتفاق أو عرف الحرفة بغيره. وفق نص المادة (649) من القانون المدني المصري، والمواد (463) و(464) من نظام المعاملات المدنية. ما لم يتفق على خلاف ذلك.

د. إنجاز العمل وفقًا لشروط العقد وفي المدة المتفق عليها

وعلى هذا نصت المادة (465) من نظام المعاملات المدنية. وكذلك اتجهت أحكام القانون المدني المصري. فيجب على المقاول إنجاز العمل في الموعد المتفق عليه ووفقًا لشروط العقد. فإن لم يوجد اتفاق يكون الإنجاز في المدة المعقولة ويكون هذا التزام بتحقيق غاية ولا تدرأ المسؤولية إلا بإثبات قيام سبب أجنبي. ولا يكفي دفع المقاول ببذل عناية الشخص العادي. وتنتفي المسؤولية إذا أثبت أن التأخر من رب العمل كتأخره في تقديم المادة أو استخراج التراخيص أو تأخره في دفع الأقساط المستحقة للمقاول.