الوديعة من العقود المدنية المسماة التي نظمت أحكامها القوانين المدنية مثل: القانون المدني المصري ونظام المعاملات المدنية. كما نظمت أحكامها الشريعة الإسلامية. فالوديعة فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ فهي: الْمَالُ الَّذِي يُوضع عِنْدَ شَخْصٍ بِقَصْدِ الْحِفْظِ. جاء في الإقناع في فقه الإمام أحمد: الوديعة اسم للمال المودع، والإيداع توكيل في حفظه تبرعا، وهي عقد جائز.
تعريف عقد الوديعة
عرفت المادة (718) من القانون المدني المصري الوديعة بأنها: (عقد يلتزم به شخص أن يتسلم شيئًا من آخر على أن يتولى حفظ هذا الشيء وأن يرده عينًا). وقد أطلق نظام المعاملات المدنية على هذا العقد (عقد الإيداع)، وعرفته المادة (506) من النظام بأنه: (عقد يحفظ بمقتضاه المودع لديه مال المودع على أن يرده بعينه).
فالوديعة عقد رضائي يلتزم المودع لديه بموجبه أن يتسلم شيئًا -منقولًا أو عقارًا- ليتولى حفظه ثم يرده عينًا، أو يتسلم مالًا -فقط ثم يرده عينًا، كما نص نظام المعاملات المدنية. فمحل العقد في نظام المعاملات المدنية: المال دون العقار ليوافق مذهب الإمام أحمد. أما محل الوديعة في القانون المدني المصري (شيء) غير محدد في النص، فيستوي أن يكون عقارًا أو منقولًا. وإن كان الغالب أن يكون منقولًا لأن المنقول أحوج للحفظ من العقار، وليس هناك ما يمنع من إيداع العقار كأن يعهد إلى شخص بحراسة من منزله مدة سفر المودع، فالحراسة الاتفاقية ضرب من ضروب الوديعة.
ويسمى في هذا العقد من يسلم الشيء مودعًا، ومن يتسلمه مودعًا عنده أو مودعًا لديه أو وديعًا، ويسمى الشيء المودع وديعة. ويجب أن يكون حفظ الشيء ورده هما الغرض الأساسي للمتعاقدين.
خصائص عقد الوديعة
- الوديعة عقد رضائي ينشأ بمجرد تلاقي الإيجاب والقبول بين أطرافه. ولا يشترط للإيجاب والقبول شكل خاص. ونظرًا لعدم اشتراط شكل خاص ينعقد فيه العقد فهو ليس عقدًا عينيًا، ولذلك يعتبر التسلم فيه التزام في ذمة المودع عنده وليس ركنًا، فيتم العقد قبل تسليم الشيء، ولا يشترط لنشوئه هذا التسلم. فتلاقي الإيجاب القبول يرتب التزامًا شخصيًا على المودع لديه يلزمه أن يتسلم الوديعة فور نشوء العقد. ما لم يتفق على غير ذلك. وفي هذا تنص المادة (719) من القانون المدني المصري على أن: (على المودع عنده أن يتسلم الوديعة).
ويتفق هذا الاتجاه مع ما قررته مجلة الأحكام العدلية، فنصت المادة 733 على أن: (ينعقد الإيداع بالإيجاب والقبول صراحة أو دلالة. مثلا: إذا قال صاحب الوديعة: أودعتك هذا الشيء أو جعلته أمانة عندك؛ فقال المستودع: قبلت؛ انعقد الإيداع صراحة؛ وكذا لو دخل شخص خانا، فقال لصاحب الخان: أين أربط دابتي فأراه محلا، فربط الدابة فيه انعقد الإيداع دلالة؛ وكذلك إذا وضع رجل ماله في كان، فرآه صاحب الدكان وسكت، ثم ترك الرجل ذلك المال وانصرف، صار ذلك المال عند صاحب الدكان وديعة، وأما لو رد صاحب الدكان الإيداع بأن قال: لا أقبل؛ فلا ينعقد الإيداع حينئذ).
- الوديعة كالوكالة -الأصل فيها- أنها من عقود التبرع. فالأصل في نظام المعاملات المدنية وفق نص المادة (507) أنه: (ليس للمودع لديه أجر على حفظ الوديعة، ما لم يتفق على خلاف ذلك). وكذلك نص القانون المدني المصري في المادة (724) على أن: (الأصل في الوديعة أن تكون بغير أجر). فيجوز إذًا أن تكون الوديعة بأجر أو بدون أجر. على أن الإيداع إن كان بلا أجر فيشترط فيه القبض كما قررت المادة (508) من نظام المعاملات المدنية).
الالتزامات التي يقررها عقد الوديعة
أولًا: التزامات المودع
أ. أداء الأجر المتفق عليه للمودع إليه وقت انتهاء الوديعة إن كانت الوديعة بأجر. فالأصل في الوديعة أن تكون بغير أجر، ما لم يشترط الأجر. وعلى هذا نصت المواد (724) من القانون المدني المصري، و(512) من نظام المعاملات المدنية. وقد يكون الاتفاق على الأجر صريحًا، أو ضمنيًا. كما لو دل العرف على أخذ المودع لديه أجرة على الإيداع كصاحب الجراج والمستودع.
وقد يكون الأجر واجب الأداء دفعةً واحدة فيستحق في الوقت الذي ينتهي فيه حفظ الوديعة. ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك. وقد يكون مقسطًا على فتراتٍ من الزمن. فيستحق الأجر عن كل فترة في نهايتها. وإذا انتهى حفظ الوديعة قبل الموعد المحدد له، وكان هناك أجر متفق عليه، فإن تطبيق القواعد العامة يبيح للوديع أن يطالب من الأجر المتفق عليه ما وفاه هو من التزامه بحفظ الشيء، ما لم يظهر أنهما قصدا غير ذلك فيكون قصدهما أولى بالاتباع.
ب. أن يرد إلى المودع عنده ما أنفقه في حفظ الشيء، وأن يعوضه عن كل ما لحقه من خسارة بسبب الوديعة. وفق نص المواد (725) من القانون المدني المصري، و(513) و(514) من نظام المعاملات المدنية.
ويقصد بالنفقات هنا تلك التي تنفق من أجل حفظ الشيء المودع من التلف أو حتى من الاعتداء عليه. ويكون أساس هذه النفقات عقد الوديعة. أما المصروفات النافعة والكمالية فيرجع بها وفقًا للقواعد العامة على أساس فعل الإنفاق. وليس استنادًا لعقد الوديعة.
وإذا تسببت الوديعة في الإضرار بالمودع عنده، كما لو كان به آفة كسوس الخشب إذا انتقلت إلى أموال المودع لديه فأتلفتها، في هذه الحالة يكون المودع مسؤولًا عن تعويض ما يصيب المودع عنده من ضرر بسبب ذلك، ما لم يكن الأخير عالمًا بهذه الآفة، أو كان المودع أخطره بها قبل استلامه الشيء المودع. أو لم يكن الخطأ بسبب:
* تعديه.
* أو تقصيره.
كما قررت المادة (514) من نظام المعاملات المدنية. ما لم يتفق على خلاف ذلك.
ثانيًا: التزامات المودع لديه / أو عنده
أ. يلتزم المودع لديه باستلام الوديعة، وليس له أن يستعملها.
وفق نص المواد (719) من القانون المدني المصري، و(511) من نظام المعاملات المدنية على أن الاستعمال المحظور يقتصر على عدم وجود إذن المودع. فإن أذن المودع له في ذلك -صراحةً أو ضمنًا- فأجازت له المادة (719) من القانون المدني المصري الاستعمال. ويستفاد التصريح الضمني من الظروف ومن طبيعة الشيء، فالسيارة التي تودع لدى شخص آخر يجب استعمالها من آن لآخر حتى لا تصدأ، وقد يدخل هذا الاستعمال في نطاق الالتزام بحفظ الشيء. ويقع على المودع عنده إثبات أذن الاستعمال بكافة الطرق. فالأصل في عقد الوديعة حتى يظل محتفظًا بهذه الصيغة الحفظ، أما الاستعمال فأمر ثانوي، وإلا انقلب العقد إلى عارية استعمال أو قرض.
ب. بذل العناية الواجبة في حفظ الشيء المودع لديه.
يعتبر التزام المودع عنده التزامًا ببذل عناية وليس تحقيق غاية. إذ تنتفي مسؤوليته متى بذل هذه العناية، ولو لم تؤد إلى حفظ الوديعة. وتختلف العناية المطلوبة حسبما إذا كانت الوديعة بأجر أو بدون أجر.
فإن كانت الوديعة بدون أجر تعين عليه أن يبذل في حفظها ما يبذله في ماله الخاص، دون أن يكلف في ذلك أزيد من عناية الرجل المعتاد. فالعناية المطلوبة في هذه الحالة هي عناية الشخص العادي، حتى لو كان ما يبذله في شؤونه أقل من عناية الشخص المعتاد. أما إن كانت الوديعة بدون أجر فتكون العناية الواجبة هي تلك التي يبذلها المودع عنده في شؤونه الخاصة ولو كانت أقل من عناية الشخص المعتاد. وعلى هذا نصت المواد (720) من القانون المدني المصري، و(509) من نظام المعاملات المدنية.
ج. ألا يحل غيره محله في حفظ الوديعة بدون إذن المودع ما لم يكن مضطرًا لذلك.
فيفترض في الوديعة أن شخص الوديع محل اعتبار خاص عند المودع، فليس له أن يحل غيره محله في حفظ الوديعة ما لم يكن هناك إذن صريح من المودع. إلا أن يكون مضطرًا لذلك بسبب ضرورة ملجئة عاجلة، ويكون ملزمًا باستعادتها بعد زوال السبب، كما زادت المادة (510) من نظام المعاملات المدنية في نصها عن نص المادة (721) من القانون المدني المصري. ويكون المودع لديه مسؤولًا عن فعل الغير إن حفظ الوديعة عنده. إلا إذا أعفاه المودع من ذلك. كما يلتزم المودع بأجر النائب إن أجاز للمودع لديه حفظ الوديعة لدى الغير.
د. أن يرد الوديعة إلى المودع بمجرد طلبه.
فلا يقبل منه رد شيء آخر. ويقع على المودع إثبات ذاتية الوديعة. وغالبًا ما يكون ذلك بكتابة موضحة لأصناف الوديعة وبياناتها. ويكون الرد في المكان الذي كان يجب حفظ الشيء فيه، وتكون مصروفاته على المودع ما لم يوجد اتفاق بغير ذلك.