قد يحدث أن يتفق طرفان على إخفاء علاقة تعاقدية بينهما وإفراغها في شكل ظاهر مختلف عما اتفق عليه، مثل: الاتفاق على إفراغ عقد الهبة في صورة عقد بيع. تعرف هذه الحالة باسم (الصورية) ويظهر فيها الاتفاق المراد إفراغ العلاقة التعاقدية فيه أمام الناس وهو البيع والذي يعرف بالاتفاق الصوري ويكون هو العقد الظاهر، بينما يراد إخفاء علاقة تعاقدية أخرى وهي الهبة ويكون هذا هو العقد الحقيقي أو المستتر ويعرف عمليًا بورقة الضد.
وقد نظمت ورقة الضد المادة (190) من نظام المعاملات المدنية فنصت على أنه: (إذا ستر المتعاقدان عقدًا حقيقيًا بعقدٍ ظاهر فالعقد النافذ بين المتعاقدين والخلف العام هو العقد الحقيقي). وإلى هذا المعنى واللفظ ذهب القانون المدني المصري في المادة (245).
تعريف ورقة الضد
هي عقد كامل مستوف كافة الشروط القانونية التي يتطلبها القانون بالنسبة للعقد، لها وجود حقيقي بين أطرافها وتتجه إرادتهم إلى إخفائها ويخضع تطبيق تعاقدهم لها. وتخضع من حيث الإثبات للقواعد العامة المقررة في الإثبات على النحو الذي بينته المواد (244) و(245) من القانون المدني المصري والمواد (189) و(190) من نظام المعاملات المدنية. تظهر هذه الورقة في حال إرادة أطراف التعاقد إخفاء حقيقة ما تعاقدا عليه. فنكون بصدد عقد حقيقي انصرفت إرادة الأطراف إلى قبول كل الآثار التي تترتب عليه ولكن لا يريدان إظهاره لسبب ما فيظل عقدًا مستترًا وهو ورقة الضد التي بصدد بحثها، وعقد آخر ظاهر يظهره أطراف التعاقد أمام الناس ولكونه لا يدل على إرادتهما الحقيقية فيظل عقدًا صوريًا أمام الناس.
نطاق ورقة الضد
الأصل أن ترد ورقة الضد على كافة العقود والتصرفات القانونية فتكون هذه الورقة هي العقد الحقيقي بين أطراف العقد وخلفهم فتخضع علاقتهم التعاقدية له، ولكن قد يقيد هذا الأصل بنص تشريعي، فيصبح في هذه الحالة العقد الظاهر هو الحقيقي دون الاعتبار بالعقد المستتر. مثال ذلك: نص المادة 91 من قانون الشركات المصري لسنة 1981 من أن: (تكون باطلة ولا يعتد بأوراق الضد التي تصدر بسبب تطبيق أحكام هذه المادة).
أحوال ورقة الضد
أولًا: بين المتعاقدين أنفسهم وخلفهم
فيما يتعلق بالمتعاقدين أنفسهم ومن يخلفهم من الورثة فالحكم البين وفق نص المادة (245) من القانون المدني المصري والمادة (190) من نظام المعاملات المدنية وهو الاعتداد بالعقد الحقيقي أو ما يعرف عمليًا بورقة الضد، دون أن يكون هناك أي أثر للعقد الظاهر ذلك أن نية المتعاقدين انصرفت إلى تحقيق هذه النتيجة وهي التقيد بالعقد المستتر فهو الجدير وحده بالاعتبار دون غيره. ويقصد بالخلف هنا الخلف العام، أي: الوارث والموصى له بحصة شائعة.
ولكن قد يحدث أن يدخل طرف لا يعلم حقيقة التعاقد بين أطرافه مثل: دائن المتعاقد أو الخلف الخاص، فما حكم ورقة الضد في حقه؟
ثانيًا: دائني المتعاقد والخلف الخاص
لا تعتبر الصورية من أسباب البطلان فالأصل أن يعتد بالعقد المستتر دون الحقيقي. وذلك لأن جوهر التصرف القانوني هو اتجاه الإرادة إلى إحداث أثر قانوني ومقتضى ذلك أن تكون العبرة بما تتجه الإرادة اتجاهًا جديًا لا صوريًا. فتكون العبرة بما اتفق عليه الطرفان وقصدا تحقيق أثره لا ما أظهراه أمام الناس. ولذا يتحقق في حق أطراف العقد وخلفهم الاتفاق الحقيقي المستتر دون الآخر الظاهر أمام الناس الذي يخفي حقيقة التعامل.
ونظرًا لوجود أطراف قد لا تعلم بحقيقة التعاقد وسعيًا لاستقرار المعاملات قررت القوانين المدنية حكمًا خاصًا بدائن المتعاقد والخلف الخاص متى كانوا حسني النية وهو: حقهم في التمسك بالعقد المستتر أو بصورية العقد، متى اقتضت مصلحتهم ذلك، ولهم في ذلك أن يثبتوا بجميع الوسائل صورية العقد الذي أضر بهم. فالخلف الخاص ودائن المتعاقد بالخيار بين التمسك بالعقد الظاهر أو التمسك بالعقد المستتر متى كان:
أ. حسن النية.
ب. واقتضت مصلحته ذلك.
ج. وكان في إمكانه إثبات حقيقة التعاقد.
وهذا هو نص المادة (244) من القانون المدني المصري، والمادة (189) من نظام المعاملات المدنية والذي يقرر أنه: (لدائني المتعاقدين وللخلف الخاص متى كانوا حسني النية أن يتمسكوا بالعقد المستتر)، وزاد نظام المعاملات المدنية عبارة (العقد الصوري)، خلافًا للقانون المدني المصري الذي تفهم عبارته من فحوى النص دون لفظه ومن مذكرته الإيضاحية.
ويكفي جهله بصورية التعاقد وقت تعامله حتى لو علم بها بعد ذلك. ويفترض في الغير حسن النية وهو عدم علمه بالعقد المستتر وعلى من يدعي عكس ذلك إثباته. وإذا عجز عن إثبات صورية العقد وجب الأخذ بظاهر نصوص العقد الذي يعد حجة عليه، وفق قضاء محكمة النقض.
ثالثًا: تعارض مصالح الأغيار فيتمسك بعضهم بالعقد الظاهر والبعض الآخر بالعقد المستتر
في هذه الحالة تكون الأفضلية للأولين، وهم من يتمسكون بالعقد الظاهر، ويكون هذا لاعتبارات تتعلق باستقرار التعاملات. ويقصد بالغير في الصورية: كل من يكن طرفًا بشخصه أو بنائب عنه في التصرف الصوري، أو هو من يكسب حقه بسبب يغاير التصرف الصوري. نقض 17/1/1978. طعن 779. س43. ونقض 29/11/1981. طعن 489. س48ق. كما قررت محكمة النقض أيضًا أن الغير في الصورية -وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة-: كل ذي مصلحة ولو لم يكن طرفًا في العلاقة المطعون عليها بالصورية، ويحق لهذا الغير إثبات صوريتها إضرارًا بحقوقه، وذلك بجميع طرق الإثبات القانونية. نقض 18/7/1990. طعن 3618. س59ق. نقض 26/3/1980. طعن 191. س46ق.
الشكل القانوني لورقة الضد
لم يتطلب القانون شكلًا معينًا تفرغ فيه ورقة الضد باعتبارها العقد الحقيقي الذي ارتضاه المتعاقدان ليحكم علاقتهما، فتطبق أحكام هذه الورقة أو العقد أيًا كان شكلها حتى لو كانت العقد الظاهر رسمي؛ لأن الرسمية لا تؤدي إلى تطهير العقد مما علق به من شوائب، فيظل العقد الصوري صوريًا حتى بعد شهره أو إضفاء الرسمية عليه. ولكن وإن لم يلزم القانون أطراف العقد شكلًا معينًا تنعقد فيه ورقة الضد إلا أنه يلزم استيفاء الورقة للمتطلبات القانونية لشروط العقد الموضوعية دون الشكلية وإلا عد العقد باطلًا. فإن أفرغ عقد الهبة في ورقة ضد وجب استيفاء الشروط الموضوعية لعقد الهبة بأن يكون الواهب أهلًا للتبرع وأن يقبل الموهوب له الهبة وتسري كافة أحكام الهبة على هذه الورقة. ولا شأن لها بالورقة الحقيقية التي ستظهر أمام العامة.
وجود مانع أدبي من الحصول على ورقة الضد
لا يوجد معيار محدد للمانع الأدبي الذي قد يمنع أطراف التعاقد من الاتفاق على ورقة ضد بينهما فتستقل كل حالة عن الأخرى وفقًا للظروف والعلاقة التي تربطهما. ولقاضي الموضوع استخلاص وجود المانع الأدبي أو عدم وجوده من الوقائع والأدلة الموجودة لديه.
وقضت محكمة النقض المصرية في ذلك أنه صلة القرابة أو المصاهرة مهما كانت درجتها لا تعتبر مانعًا أدبيًا يحول دون الحصول على سند كتابي. ولكن المرجع في ذلك إلى ظروف الحال التي تقدرها محكمة الموضوع بغير معقب عليها. متى كان هذا التقدير قائمًا على أسباب سائغة. نقض 21/12/1976. س27.ص1801.